ماركة "تمرد"
الشهيرة، ومساهمتها في الناتج القومي الإجمالي لدول الربيع العربي!
يتكون الناتج
القومي لأي دولة من محصلة صنوف الفعاليات الإيجابية المفيدة لأفراد هذه الدولة.
أما الفعاليات المضادة الضارة فتبدأ من الحالة السلبية البسيطة التي يكون الفرد
فيها عالة على غيره بسبب قصوره الطبيعي المبرر، وتنتهي بحالة تحول الفرد إلى قوة
سالبة معاكسة لحركة المجتمع ومهدرة لإمكانياته؛ وهذا بالضبط ما تمارسه حركات تمرد
الربيع العربي الرائجة منتجاتها حاليا، وذلك مهما بالغ مروجوها في ماكياجها.
ثورات الربيع
العربي أزالت جليد العصور من على جسمنا المتيبس سياسيا، وبعثت الروح في أوصاله
وأطرافه السياسية المتخدرة، إلا أن هذه الثورات فشلت في ضبط وتنظيم حركة أوصال هذا
الجسد وأطرافه، فانطلقت هذه الأطراف بشكل عفوي منفلت، ضاربة ذات اليمين وذات
الشمال، متحررة من كل رادع، متعالية عن كل حسيب ورقيب، ومسجلة بذلك أرقاما ومؤشرات
سياسية واقتصادية واجتماعية موغلة في السلبية!
الحركة العاطفية السياسية
الهوجاء المتمردة على ضوابط المنطق والأصول وقوانين الأشياء، وإن دغدغت فينا بعض
المشاعر الفطرية المتولدة من نشوة انتصارنا في حرب انتزاع حريتنا، إلا أن هذه
الدغدغة اللذيذة المغرية سرعان ما تحولت أصابعها الناعمة إلى سكاكين حادة، خلَّفت
جروحا غائرة، ودماء نازفة، أرهقت جسدنا، حتى شارف على الموت أو يكاد.
منتجات الرفض
والشك في الآخر بماركتها المصرية الشهيرة "تمرد"، برع المصريون أيما
براعة في إبداعها وتسويقها؛ فعلى مدى العام من حكم رئيس منتخب ديمقراطيا، سيَّر
فريق تمرد حملات ترويج مليونية شهرية لمنتجهم الوحيد: الرفض والتمرد، والذي ليس له
من هدف سوى إسقاط الحكومات وتفكيكها ثم إعادة تركيبها مرة أخرى، وذلك بغض النظر
عما يترتب عن هذا العمل من آثار سلبية بحجم الجبال بالاقتصاد والأمن وكل فعاليات
الدولة. وبعد محاولات رفضية تمردية كثيرة تمكن فريق تمرد المصري من الوصول إلى
الهدف، واستطاع إسقاط الحكومة وتفكيكها، ولكن هذه المرة بطريقة جديدة مبتكرة؛
انقلاب عسكري ديجيتال موديل 2013 !!
شباب تمرد مارسوا
لعبتهم وتمردهم الكارنفالي الأخير بنكهة التمرد اللذيذ على الطغيان إبان ثورة يناير،
ولم يكن أي منهم يتصور ما طرأ على هذه النكهة أخيرا من تغير مرعب، عندما ملأت المكان
رائحة اللحم الآدمي المشوي الذي عم شوارع وميادين القاهرة الحالمة المسالمة. لم
يكن شباب تمرد يتصورون أن احتفالية انتصارهم بنجاح منتج التمرد الفالصو 2013 سيكون
تجمعا جنائزيا يقومون خلاله بالتقاط أشلاء رفاق التمرد المقدس 2011!!. لم يكن شباب
تمرد يتصورون أن أداة التغيير السياسية الناعمة التي بأيديهم سينتزعها منهم دهاقنة
الجنرالات، ويضعون بدلا منها أدوات حروب الأعداء ليُعمِلوها في أجساد الأحباب
والأصدقاء، وبالمبرر الشهير، التفويض؛ ذلك التفويض الفضفاض الذي وقع عليه شباب
تمرد وآخرون مغرر بهم!! ليس لدي أدنى شك في أن الجنرال الذي غرر بالشعب وانتزع منه
ذلك التفويض المغشوش، لا يجرؤ الآن على إعادة لعبته المرعبة، والدعوة لتأكيد ذلك التفويض
والموافقة على نتائجه، وجمع مليون مفوض فقط بدلا من 33 مليون المدعاة!
فريق حركة تمرد
التونسية، المولود الخداج لحركة تمرد المصرية، رأيناهم تلامذة فاشلين يقلدون ما
يقوم به نظراؤهم المصريون، ويضعون في أوراق إجابتهم ما تسترقه أعينهم وآذانهم من
شعارات وهتافات ومطالب ونداءات تمرد المصرية، مكررين بدون ملل ولا كلل ذلك المطلب
الساذج الممجوج: الشعب يريد إسقاط النظام!
أما التمرد الليبي
فحدث ولا حرج، ذلك أنه لا يمر يوم إلا ويقوم فريق تمرد الليبي الفج بوضع عصاياه
الكثيرة في عجلات قطار بناء الدولة، مكررا مطلبه الدائم بإسقاط الحكومة والبرلمان
المنتخبين، بل وفي أحيان كثيرة يعزز هؤلاء المطالبون مطالبهم ببنادقهم وقنابلهم!
لم تصدق حركة تمرد
الربيع العربي المريبة، وهي تبدع وتسوق منتجها الفائق الأداء الواسع الانتشار،
"تمرد"، أكثر من صدقها في اختيار اسم منتجها المريع؛ تمرد، وذلك لما
يحمله هذا الاسم من فوضوية وشذوذ وانفلات!
اسم تمرد، وإن تم إطلاقه
قبل بضعة شهور على حركة التمرد المصرية المعروفة، إلا أنه كفعل بدأ مبكرا وبمجرد
تفتح أزهار وورود الربيع العربي الذي طال انتظاره، حيث مارس الكثير منا الرفض
لأسباب واهية، وأدمنا الانتقاص من شأن من انتخبناهم وفق قوانين لعبة الديمقراطية
التي توافقنا عليها، وصرنا بدافع نفسي خبيث ننقض بناء دولتنا ونخاطر بمستقبلنا ونلعب
بالأمانة الغالية التي حمَّلنا إياها شهداء الثورة على الظلم والاستبداد.
ليس من ترف
التفكير إذا اعتبرنا ان الحالة التي عليها دعاة التمرد وإدمان عادة الفك والتركيب
السياسي العبثي، هي حالة نفسية غير سوية تتغذى من حالة الثورة التي مارسناها بدون
ترتيب وتنظيم وتأهيل مسبق، وتعاملنا مع نتائجها أيضا بدون ضوابط ومعايير معروفة
ومعترف بها. إن حالة الفوضى التي عمت تصرفاتنا تسللت بسرعة إلى نفوسنا وضمائرنا،
فحرَّفت معاييرها ومقاييسها التي كانت عليها. ذلك أن الذي نضربه الآن بأرجلنا من
نظام ديمقراطي وحرية تعبير وحكام منتخبين، كان قبل أمد قصير من أحلى أمانينا
وأغلاها. روح البذل والعطاء والإيثار التي كانت تغمرنا إبان الثورة تخللها بعد نجاح
الثورة طمعنا المخزي وشكنا الساذج، وحوَّلها إلى نزعات حسد وأثرة وبغض، وربما
تخوين! أليس الانقلاب السريع في المواقف، والإفراط في الحب والكره من الأمراض
النفسية الخطيرة؟!
خلاصة الأمر أن مهرجانات
التمرد ومليونيات تعطيل مسيرة القطار الديمقراطي أنتجت لنا خلال العامين الماضيين
من عمر الربيع العربي جبالا من الخسائر أهدرت ما ينتجه المجتمع من ناتج قومي،
وحولت مؤشراته الإيجابية الخضراء الواعدة إلى محاذير حمراء مرعبة!
لابد من وضع دائرة
حمراء متوهجة على كل حالات مرضى التمرد، وإن تزي أصحابها بأثواب القديسين!
التهمة جاهزة:
الكاتب من الإخوان المسلمين! لست من الإخوان المسلمين، ولكنني من أنصار الحق المبين.
محمد
عبد الله الشيباني