الثلاثاء، مارس 12، 2013

ملحمة الميثانول


ملحمة " الميثانول"

ما كدت أفرغ من مقالتي المحتفية بالملحمة المفخرة التي فارسها الدكتور الليبي المهدي الجيباني، والذي حاز لأجلها درجة تشريف وتكريم سامية من دولة بريطانيا جراء اختراعه جهاز منزلي للغسل الكلوي؛ ما كدت أفرغ من ذلك حتى راعني ما نشر من أخبار عن الملحمة المخزية التي ساحتها هذه المرة طرابلس ليبيا وفرسانها مجرمون يتاجرون بأرواح الناس ويقامرون بمستقبل الوطن، أما ضحاياها فهم مئات من الشباب ما بين متوفين ومحتضرين وفاقدي بصر ومتعطلي كلى.

المتهم الظاهر المباشر في هذه الملحمة المجزرة هو عنصر الميثانول البريء براءة الذئب من دم يوسف، أما المتهمون بل المدانون الحقيقيون فهم القاتلون بسم صنعته أيديهم، وآخرون ساعدوهم على القتل بتسيبهم وإهمالهم وتراخيهم.

الشجرة الخبيثة للخمور والمؤثرات العقلية هي شجرة متجذرة ومعمرة بتجذر وعمر النظام الجماهيري، وهو المسئول الأول عن كل ما يعانيه الليبيون الآن، وربما لسنين قادمة مما تقذف به هذه الشجرة الخبيثة من أشواك وثمار ملعونة.  

كم أرهقت آذاننا وافهامنا أبواق أجهزة البحث الجنائي والمكافحة الجماهيرية بركيك قصص غزواتهم وملاحمهم العنترية في محاربة المؤثرات العقلية؛ حيث لا يخلو مكان من اللوحات الإعلانية العملاقة المتوعدة بعقوبة الموت لكل من يتاجر بهذه السموم الفتاكة. الشيء ذاته تفعله أدوات الإعلام المسموعة والمرئية بحملاتها التهديدية الجوفاء التي أزعج صهيل خيولها وقعقعة سيوفها المواطن البريء بينما أظل دخانها أولئك المجرمين المحترفين العارفين بضمير الإعلام الجماهيري المنافق الذي يظهر خلاف ما يبطن.

أقول هذا لأنني، ورغم متواضع اطلاعاتي، وشحيح علاقاتي، وانعدام في هذه الأمور هواياتي، أستطيع أن أعد المتاجرين بالخمر والمخدرات العشرات، ومن شاربي الخمور ومتعاطي المخدرات المئات، وذلك كله فيما حولي من شوارع وأزقة وحارات!

القذافي الذي خان رعيته وحقنها بالأمراض والعلل له أكثر من رأس، وما تمكنا من قطعه هو رأسه المرأي فقط، أما رؤوسه الخفية المنتشرة في كل مكان فإنها ما زالت قائمة تنفذ أوامره وتوجيهاته بما شحنها من شرور وشيطانيات.

وعودة إلى تشخيص أدق للجريمة التي كانت أداة جريمتها جرعة زائدة من الميثانول، ومرتكبوها فاقدو حس وخلق ودين، إلا أن طرفها الثالث غير الظاهر بوضوح في الصورة، من أولئك المتهاونين حد التواطئ، ابتداء من راعي الأسرة الغاض الطرف عن انحراف أبنائه، إلى الشرطة الذي شاع عن بعضهم فيما مضى ما شاع ، وانتهاء برجال الدولة الكبار.

الأب المتخاذل المتهاون إن ثبت عليه التهاون في جريمة كهذه لحقه شيء من وزر هذه الجريمة واستحق العقاب.

والمسئول المحلي والشرطي ورجل الأمن ممن يثبت عليه التهاون في ترويج السموم وبيعها، هو بمثابة المتواطئ مع المجرم الأصلي ومن العدل مشاركته في الوزر.

أما الساسة الكبار فإن العرف السائد بشأنهم في قضايا كهذه هو اعترافهم بالمسئولية عن تقصير مرؤوسيهم، وليس لهم من خيار إزاء ذلك سوى الاستقالة.

هذه الاستقالات بما تحدثه من زلزلة في قلوب المسئولين تجعلهم دائما في غاية اليقظة وعلى أهبة الاستعداد، وهي زلزلة صحية تصنع موجات ارتدادية تنتشر في كامل الجهاز محل المشكلة.

ليس هناك من خيار لمواجهة هذه العلة الاجتماعية الخطيرة التي أودى آخر انفجار لقنابلها المؤقتة الكثيرة بمئات الضحايا، سوى إقامة جزر منعزلة في أمكنة نائية في صحرائنا الشاسعة لا يمكن الوصول إليها إلا بالطائرة، وذلك لعزل وحجز الحالات المستعصية من تجار الموت والرذيلة المهددة لأمن المجتمع والمقامرة بمستقبله ووجوده.

وبكل تأكيد فإن القصاص من نازعي الحياة المعدودين، هو حياة لضحاياهم الملايين.

محمد عبد الله الشيباني
Aa10zz100@yahoo.com

الاثنين، مارس 11، 2013

د. المهدي الجيباني


المهدي الجيباني؛ في بريطانيا "sir "، ولكنه في بلده  ليبيا شيء غير ذلك!

مرتبة " سير" ، أو "فارس"، هي ثاني أعلى مرتبة شرفية لدى دولة بريطانيا، وهي مرتبة تمنح لأشخاص إنجليز وغيرهم ممن يقدمون أعمالا وخدمات متميزة. "تيم بيرنرز"، مخترع الانترنت، مستودع نظام تخزين وتداول معلومات الكون في العصر الحديث أحد هؤلاء "الفرسان".

إن تشريف المواطن الليبي الدرناوي الدكتور المهدي الجيباني بمنحه لقب " سير"، لهو بحق تشريف لكل الليبيين ومصدر فخر لهم، كما أنه فوق كل ذلك شحنة عزم وينبوع إرادة ومدد نصرة لأولئك الليبيين المقيدين المحبطين، والذين رغم كفاءتهم وجدهم ومثابرتهم لم يبلغوا ما بلغ الجيباني من شأو ومجد، وذلك بسبب ما عانوه من صنوف التجهيل والتثبيط والخذلان إبان الزمن الممتد للجماهيرية العظمى.

ولكننا هل سنظل نعلق على كل عصر باد وانتهى قصورنا وتأخرنا، ونظل نوجه تهمة انحطاطنا وانحدارنا إلى طغاتنا من ثوريين منقرضين، وبعض أدعياء الثورة الحاليين.



لقد جعلنا من لقب "ثوري" خلال العصر الجماهيري المجتث أفضل الألقاب وأعظمها، بل كان هذا اللقب هو المفتاح السحري لكل ما استغلق من أبواب السلطة والثروة والوجاهة!

ولكننا، ويا للأسف، ورغم التضحيات الجمة والخسائر الباهظة من أجل تصحيح المسار الذي طال وتعمق اعوجاجه، نجد أنفسنا قد وقعنا في نفس الفخ مرة ثانية، وأضحى لقب "ثائر"، أو "آمر كتيبة"، وهما من بقايا القاموس الثوري الجماهيري الأسود، هو اللقب الذي تصغر أمامه كل الألقاب والدرجة التي تتضاءل أمامها كل الدرجات، وهو المفتاح الذي يفتح مغاليق خزائن السلطة ومخازن الدينارات والدولارات!

إن من حمل روحه على كفه معارضا لحكم القذافي المتخلف، لم يفعل ما فعل من أجل استبدال تخلف بتخلف ولا تسلط بتسلط، ولكنه فعل ذلك من أجل أن يغير اسم "ليبي" الذي حقره القذافي واستهان به، إلى اسم"sir" الذي توج به الدكتور المهدي الجيباني هامة كل ليبي مغبون.

في حال رجع الدكتور الجيباني إلى ليبيا، وهو يحمل على صدره وسامsir""، وبيده خطام ذلك العملاق الطبي العلمي العظيم، طالبا هذا الدكتور تسكينه على إحدى درجات الكادر الوظيفي الليبي المعمول به حاليا، فإنه بكل تأكيد سوف يصنف على درجة ثائر أو أحد مرادفاتها، وذلك بحسبانها أرفع الدرجات السائدة وأكثرها لياقة بهذا المخترع العظيم!

تُرى هل يقبل الدكتور المخترع بوضع كهذا، ويحوِّر نشاطه العلمي الذي أوصله إلى درجة"sir"، إلى نشاط آخر يتناسب مع لقبه الوطني الليبي الجديد، ويفتتح له بدل المستشفى كتيبة!  

ولكن مهلا، فقبل أن يجيب الدكتور الجيباني عن هذا السؤال سوف يتحتم عليه التعبير عن هويته ومرجعيته، وفيما إذا كان ملتزما دينيا ووطنيا، وكذا نوع هذا الالتزام ولونه وفئته وصنفه!

وبعد هذا التصنيف والفرز الأولي، على الدكتور ال"سير" الانضمام إلى أحد الأحزاب التي تقع في نطاق طيفه الأيديولوجي، وما سوف ينجم عن ذلك من تغير في مفردات لغته والشعار الذي يحمله على صدره ويزين به سيارته، بل وقد يضطر إلى إعفاء لحيته، ولو في حدود مستوى اللحية السياسية المعروفة!  

سوف تغرق الكاميرات الدكتور في أضوائها المغيرة للسحنة المبدلة للملامح، وستمسخ لاقطات الأصوات ومكبراتها وصانعة صداها نبرة صوته الطبيعية، بل وربما أنسته ما كان يجيد من لغة اكتشاف واختراع وأبجدية بحث وابداع!

أما الضربة القاضية لهذا المخترع العملاق فتتحقق عندما" يصعّده" أنصاره وأبناء قبيلته الدرناوية، وربما أصدقاؤه وخلانه في ساحة الغربة البريطانية، ويخلعون عليه بعد لقب"sir" لقب " وزير"!

وبمجرد بلوغ الـمخترع الـ "سير" مرتبة الوزير، بالمعيار الليبي الحقير، فعندئذ " يصير ما يصير"، وليعذرني الدكتور عن مزيد الاستطراد والشرح والتفسير!    

الأجواء المتفتحة المشبعة بالنفس الحضاري هي التي صنعت من مواطن ليبي بسيط اسمه المهدي الجيباني "sir" ، والأجواء الخانقة الغارقة في أدران التخلف إن هي إلا ثقبا أسود يمسخ المعالم والملامح ويطمس القدرات والمواهب ويتخلل إلى أعماق العقل والفؤاد فيصنع منه كومة من حطام ورماد.

سيدي الدكتور المهدي الجيباني:

بعملك الجليل هذا أطلقت أذكى رصاصة فأصبت رمز تخلفنا وجهلنا في مقتل، وبإنجازك الحضاري الإنساني الباذخ حزت الوسام الأرفع الذي به تستحق التقدم على كل صفوف الثوار الحقيقيين أحياء وشهداء، ذلك لأنك جاهدت بعلمك واختراعك الذي حفظ النفس وفرج الكرب ونشر العافية، وذلك ملتقى كل طرق الثورة والجهاد.  

محمد عبد الله الشيباني
Aa10zz100@yahoo.com

الاثنين، مارس 04، 2013

القذافي يتساءل



بعد عامين من إسقاطه دمويا؛ القذافي يتساءل مستغربا: ألأجل هذا كان  كل ذلك؟!

القذافي الذي حكمنا أزيد من أربعين عاما هو الآن في دار الحق، ولابد أنه كثير التوق والتساؤل عن كل ما حدث بعده؛ كما أن أسئلته في ذلك العالم الشفاف سوف تكون منطقية وواقعية وخالية من روائح وأدران حياته الحيوانية التي حولته غرائزها ونزعاتها المنفلتة من إنسان في أحسن تقويم إلى شيطان رجيم.

أيضا ستكون أسئلة القذافي انعكاسا مباشرا لمجموعة الانتقادات المحلية والدولية التي كانت توجه إليه خلال فترة تسلطه الطويلة، وعلى الأخص مضمون ما ألهبنا به حناجرنا من شعارات نارية، والتي لولا برد فبراير لأحرقتنا وأحرقت كل شيء حولنا؛ وذلك عندما انفجرنا كرها واستنكارا واشمئزازا من كل ما حوت الجماهيرية البائدة من صنوف التسلط والظلم والجور والتخلف والفساد والعبث والتبذير والإسراف وانعدام الشفافية، وغير ذلك.


وبوجود القذافي في دار الحق فلابد أنه أذكى وأنقى وأصفى ذهنا بكثير عما كان عليه في الدنيا، وبذلك فهو لن يتطرق إلى السؤال عن الشكليات؛ من مثل السؤال عن لون علم ليبيا الجديد، ونشيدها الوطني، واسمها الرسمي، وأسماء مجالسها المتعددة، وأسماء أعيادها الوطنية المستحدثة،

ومن باب أولى فإن القذافي لن يشغل باله بالشكل الجديد للوحات سياراتنا، وخلو البعض الآخر من أي علامة دالة عليها، حتى أنها بعد تعميتها بذلك السلفر الأسود تبدو وكأنها روبوت معدني قادم من كوكب بعيد.

سوف لن يكترث القذافي بما حدث من تغيير في أسماء شوارعنا ومياديننا ومدارسنا ومساجدنا ولا حتى ما حصل بالأخيرة من تغييرات جسيمة، كتبدل سحنة أئمتها وخطبائها، وامتلاء رفوفها بالمنشورات والمطويات، وما حصل لبعضها من إزالة بسبب التطوير وربما التطيير كتطيير مسجد الشعاب من على وجه الأرض، وما حدث من تطوير بلدوزري خطير بمساجد ودور عبادة أخرى. 

كذلك فإن رئيسنا المقتلع هو الآخر بلدوزريا من أجل التطوير لن يكترث إلى ما حدث لألسنتنا البشرية المنغرسة في حلوقنا من تطور واستطالة حتى تدلت من أفواهنا وغطت الفضاء السمعي الأرضي حولنا بما صنعنا وربما تصنعنا من ملاحم، وبما سطر الثوار الأحياء وخاصة الغنائميون منهم من مجد وفخار.

أيضا لن يكترث القذافي لما حدث لألسنتنا الصناعية التي انفجر بها حقل أثيرنا البكر فامتدت سيقانها قنوات سامقة تخللت فضاء السماء لتخبر هي الأخرى ساكنيها بما صنعنا، متخذة من تكرار واجترار مأساتنا الوطنية موردا رئيسيا لساعات بثها الطويلة المملة.


المسيرات الكيلو مترية الراجلة والراكبة التي استورد القذافي ماكينتها الأولى وسخرها في تفريخ المؤيدين المرتزقة لن يرف للقذافي جفن حيالها، وذلك لما يعرف من خوائها وقلة المادة الفعالة في نسيجها البلدي الثقافي البسيط، وخاصة بعدما خانته عدداتها ودلست عليه كاميراتها محولة مليونيات تأييده إلى جنازة له ولنظامه.

وبرغم أن القذافي لم يسمع بكلمة حزب ليبي أو جمعية أو غيرها إلا من خلال تقارير إدارة الزندقة، إلا أنه لن يكترث إلى عشرات وربما مئات اليافطات الملوحة بأسماء عشرات الأحزاب ومئات الروابط والجمعيات التي سيحقق نصيب الفرد الليبي فيها رقما عالميا قياسيا.

نعم سيتجاهل القذافي كل انجازاتنا الكرتونية تلك ولن يتطرق إليها، وذلك لأن هذه الأعمال لم تكن هي محور الخلاف بيننا وبين القذافي، كما أنها ليست هي المبرر الذي لأجله سالت دماء عشرات الألوف من الليبيين، وأهدرت مئات المليارات.

حدسي يقول لي بأن سؤال القذافي الأول سيكون عن الديمقراطية، وعما إذا كان مستوى توقنا وتلهفنا للحصول على هذه الأيقونة يكافئ مستوى النجاح في الحفاظ عليها وإتقان لعبتها الخطيرة.

أما سؤاله الثاني فسوف يكون بدون شك عن مدى قدرتنا على إدارة مواردنا، والتي كانت في صلب مشكلتنا معه، وذلك لما  مارسه من هدر لهذه الإمكانيات، ولما عرفناه عنه من سفه وتبذير بحقها، ولما تجرعناه من حسرة وألم حرماننا من مقدراتنا طوال فترة حكمه حتى تراكم كل ذلك وصنع التسونامي الليبي الشهير.

أما العدل واحترام حقوق الإنسان فسوف يثير القذافي أكثر من سؤال حياله، وذلك لأن صحيفة اتهامه، التي لابد أنه أُخطر بها من قبل المدعي العام الأعظم، مثقلة بما اقترفت يداه من تضييع صارخ للعدل وإهدار لحقوق الإنسان حتى كاد ان يكون ذلك مبرر سقوطه الأعظم.

وبكل تأكيد سيسأل القذافي عن ظاهرة المخدرات والحبوب المهلوسة التي كان مقاولها الأبرز، وفيما إذا تمكن الليبيون من التصدي لهذه الظاهرة المرعبة.

لن ينسى القذافي البنية التحتية التي تركها في أسوأ حال، والتي كثيرا ما عيرناه بإهماله لها، وحلمنا باليوم الذي تنطلق فيه أيدينا ببناء بلدنا وتطوير مرافقها.

سوف يتساءل القذافي، وربما بتشفي هذه المرة، عن الحالة التي عليها بنياننا الاجتماعي الآن، والذي هددنا ابنه بترديه بمجرد الإطاحة بنظام أبيه.

أمننا الداخلي وأمننا الخارجي وشرطتنا وجيشنا وحكمنا المحلي، سوف يطرح القذافي عديد الأسئلة حيالها، وعما إذا كانت في مستوى ما حلمنا به وثرنا من أجله.

الصحة والتعليم والتوظيف، وربما الدبلوماسية، والاستثمارات،  هي أيضا سوف تكون مثار أسئلة القذافي لأنها مركز اهتمام الليبيين ومصدر شكواهم وتذمرهم الدائم.

الملاحظة الجديرة بالتسجيل أن عين القذافي وهو يسأل كل هذه الأسئلة لم تتحول أبدا من على المؤشر الحضاري للمجتمع الليبي، ذلك المؤشر الذي أوقف  القذافي كل تروسه عن الدوران عقودا طويلة حتى تجمد في مكانه مشيرا إلى القذافي حيا وميتا، وموجها إليه التهمة الكبرى والجريمة الأنكى، ألا وهي شل إرادة بني الوطن، وسرقة وإهدار أرزاقهم، وحرق أوقاتهم وأعمارهم.

وكلما أثار القذافي سؤالا، وأجبنا عليه بما يعبر به لسان حالنا وبما نحن فيه، قذفنا القذافي باللازمة المرعبة وبتشف ظاهر: ألأجل هذا كان كل ذلك؟!

ورب سائل يسألني مستنكرا عن سبب استدعائي لشخصية القذافي في هذه الأقصوصة الركيكة، وربما يذهب بسؤاله بعيدا حتى درجة إساءة الظن بي!

وعن ذلك أجيب:

إني عدت بالزمن عامين إلى الوراء، فوجدت شخصية القذافي وما يسكن ظلها من مثيرات قوية للثورة على الطغيان قد أفلحت في لم شعثنا وضم صفوفنا وتوحيد هدفنا ومضاعفة قوتنا حتى أننا صنعنا شيئا أشبه ما يكون بالمعجزة!

ونظرت إلى حيث نقف الآن، فلم أجد شيئا من تلك المثيرات الإيجابية التي نحتاجها لصنع الهدف الجماعي الواحد والاصطفاف وراء قيادة واحدة من أجل قطف ثمار معجزة الثورة التي أهدتها إلينا السماء.

ثم إني فعلت ذلك أيضا لأن القذافي في حربه الناعمة والخشنة معنا كان يمثل التحدي الأكبر لنا، وكان لسان حالنا دائما يقول: من رماد القذافي سيخرج فينيكس ليبيا.

كذلك فإنني قمت باستدعاء شخصية القذافي لأنني رأيت أن هذه الشخصية قد وصلت بالعقدة الدرامية لتراجيديتنا الوطنية إلى ذروتها وقمة إثارتها، وذلك عندما انفجرت مكونات هذه الشخصية حتى سد حطامها ورمادها الأفق، وظللنا نعلق أعناقنا وأعيننا بهذا الأفق منتظرين فينيكس ليبيا الذي صار تأخر انبعاثه مبعث قلق الكثيرين.

إني قلق، ومن خيوط قلقي المتشابكة صنعت أسئلة القذافي المذكورة بأمل أن تصنع هذه الخيوط صاعقا ذهنيا وعقليا ينتشلنا من سكرة انتصار الجولة الأولى التي طالت كثيرا بل أضحت إغماءة.

أما الذي سيصعقنا ويخرجنا من سكرتنا ويوقظنا من إغماءتنا بحق، فهو تطابق أسئلة القذافي المذكورة مع أسئلة شهداء الوطن كله الذين قدموا أعز ما يملكون من أجل الإجابة الإيجابية عن الأسئلة عاليه، والتي ملخصها: ألأجل هذا كان كل ذلك؟!

محمد عبد الله الشيباني
Aa10zz100@yahoo.com







الجمعة، مارس 01، 2013

نفق الموت


نفق الموت الواصل بين "السواني" و "العزيزية"!

تمَّ منذ بضع سنوات تجديد الطريق المزدوج الرابط بين طرابلس والعزيزية مرورا بالسواني، إلا أن من قام بالتجديد لم يتطرق البتة لإجراءات السلامة، ولم يهتم مطلقا بعوامل الأمان لهذا الطريق الخطير المهم.

فعلى مدى حوالي الثلاثين كيلومترا، لا ترى أمامك إلا بساطا اسفلتيا يشقه من الوسط فاصل ترابي، انتشرت فيه أعمدة إنارة تتهددها الأخطار المحذقة بها من كل جانب، حتى أنه لم يصمد منها وينجو سوى المحظوظ. وعلى جانبي هذا البساط الأسود الطويل تتكدس المحلات التجارية والورش وغيرها دون أي فاصل بينها وبين هذا الطريق السريع المريع. كما تصب في هذا الطريق العديد من الطرق الأخرى الفرعية.

العربات بجميع أنواعها؛ بدءا من السيارات الصغيرة الخاصة، ومرورا بسيارات الركاب، وانتهاء بالشاحنات الكبيرة ذوات المقطورتين، كلها تركض في ماراثون حر، لا ضابط يضبطه، ولا قواعد لعب تحكمه!

وبطول هذا الطريق الممتد لا تجد إشارة ضوئية واحدة أو علامة تنبيه يتيمة، كما لا تجد رجل أمن أو شرطي مرور ولا حتى (ثائر) رغم كثرة الثوار، وذلك باستثناء بوابة واحدة خشنة مقززة مهجورة، تنتصب في كل جانب منها حاويتين كبيرتين وضعتا فوق بعضهما، وهما بانتصابهما الغبي هذا فاقما من أخطار هذه الطريق عوضا عن بعث الأمن والأمان فيها.

المجسات الغريزية لقائدي المركبات التي يزخر بها هذا النفق هي وحدها التي تنظم الحركة في هذا المضمار المكتظ، وقانون توازن الرعب هو القانون الوحيد المسيطر على طوابير الألغام الطُّنيِّة الهائجة الملتهمة الأرض، والمتوعدة بالتهام السائرين عليها، وذلك ربما ضجرا بما ناء به عاتق بعض هذه المركبات من فرط حمولة، أو بما فاق جهد بعضها الآخر من سرعة!

في طريقي الطويلة المستوجبة قصر الصلاة إلى مقر عملي بالشركة الحكومية الاستثمارية المالية الكبرى، والتي قذف بها الجماهيريون الحمقى فوق قمة جبل غريان، ثم عنَّ لهم بعد عقد من الزمان دحرجة لعبتهم إلى قاعدة الجبل، حيث استقرت عند قدمه هناك في بيداء الهيرة، يتذبذب مؤشر سرعة سيارتي الصغيرة التي أركبها في اضطراب ملحوظ فيما بين خطي السبعين والثمانين كيلومترا، متجاوبا في اضطرابه هذا مع ارتعاشة قدمي على دواسة البنزين، حيث لا أستطيع فسيولوجيا تجاوز هذه السرعة وأنا أسير في الغابة الاسفلتية الفاصلة بين السواني والعزيزية.

مؤشراتي البيولوجية الواهنة هي الأخرى تتحرك وتضطرب تبعا لعدد مرات إحساسي بكتل الريح التي تقذفني بها تلك الأفيال الفولاذية الطائشة، وبما يصعقني به صوتها المركب من تلك الخلطه المرعبة الجامعة بين زمجرة المحركات وصرير العجلات وزئير أبواق تلك الشاحنات ثنائية المقطورة المحملة بأقصى من حمولتها والمنطلقة ربما بضعف سرعتها المعقولة.

أرجعني هذا المشهد الدرامي بسرعة إلى صفوف الدراسة، وما كنا نقرأه عن الجسم وحركته، حيث كنا نقوم بضرب وزن الجسم المتحرك في سرعته لنعلم كمية حركته، وأسأل نفسي: هل يمكن لشاحنة بوزن مائة طن وتسير بسرعة تزيد عن المائة كيلومتر في الساعة أن يتمكن سائقها عند الحاجة من التحكم في كمية حركتها وكبح جماحها في مدى زمني ضيق بضيق ما في نفق الموت من هوامش؟!

الجواب، وبالخط العريض: لا يمكن!
أو يمكن، ولكن .......................
حيث يعلم سائق أي شاحنة أن مجرد الاقتراب من فرامل الشاحنة المحملة والسائرة بسرعة عالية، كما هو الحال في نفق الموت، يعني بالضبط انقلاب هذه الشاحنة وتحطمها وهلاك من فيها؛ وعلى هذا فإن سائق الشاحنة الماكر في كامل الاستعداد لطحن أي من الكائنات الصغيرة التي يقذف بها حظها العاثر أمام فيله الهائج.

ولهذا السائق أقول: إن مجرد صوم شهرين متتابعين ودفع الدية الشرعية لأهل القتيل وربما القتلى لن يقوما بمحو ما ارتكبت من كبيرة وسفكت من دم، وإنما الذي يبرؤك هو التزامك بأقل من السرعة المحددة قانونا، ذلك أن هذه السرعة تم تحديدها لطريق تتوفر فيه شروط الأمان وليس لنفق موت كهذا!

إذا ما أضيفت هذه المعلومة الصادمة إلى ما يعرفه الجميع عن معظم سائقي هذه الشاحنات من استخفاف بالكائنات الصغيرة التي تحوم حولهم، والتي من بينهم بطبيعة الحال سيارتي وسيارات العشرات من زملائي الموظفين بتلك الشركة المنكوبة وربما آلاف غيرهم، وكذا ما نعرفه عن هؤلاء السائقين الذين لا يتقنون عند اقترابهم من ضحاياهم الصغار سوى الضغط المتواصل على الأبواق ذات الصوت المرعب المزلزل، ولا يلجئون إلى الفرامل إلا غريزيا عند اقتراب حد السكين من حلقومهم .. إنك إذا أضفت كل ذلك إلى ما سبقه فسوف تدرك أن ضحايا أي حادث يقع بنفق الموت المذكور سوف يكون عدد ضحاياه بالعشرات لا قدر الله.
  
يدفعني فضولي دائما إلى قراءة وجوه الكائنات البشرية ذات الملامح والأفعال المثيرة، وإذا ما صادف واستطعت اختطاف نظرة بطول لحظة وبسمك ومضة من وجوه تلك الكائنات البشرية التي تعتلي ظهر تلك الألغام الطائرة في ذلك المضمار الحر؛ فلا أرى في تلك الوجوه ذات التقاسيم الحادة إلا حلبة حرب موازية للحلبة الاسفلتية، وحيث الصراع هناك على أشده بين هرمونات صغار السن من سائقي الشاحنات.

حدثت نفسي أكثر من مرة بطرق باب إحدى الجهات الرسمية التي يقع في نطاق اختصاصها نفق الموت المرعب؛ من مثل شرطة مرور العزيزية، أو مجلسها المحلي، أو غيرها من جهات مسئولة، وذلك في محاولة مني للفت نظرهم إلى الأخطار التي يزدحم بها طريقهم، ولكنني كنت أحجم عن ذلك بسبب يقيني بأن هؤلاء المسئولين لا ينقصهم علم بما في الطريق من شرور، وإنما، وبكل تأكيد، هم غير رهيفي الشعور.

أرجو أنني قد أفلحت بما ذكرت في دق ناقوس الخطر، والذي أهيب من كل قارئ مقالتي هذه أن يعيد طرقه بالكيفية التي يستطيع، علَّ ازدياد الطرقات، يجنبنا  ما يتربص بنا من مصائب وويلات.

كما أرجو من المسئولين المارين من نفق الموت هذا صباح مساء أن يستشعروا ما استشعرت، ويقوموا بالمسارعة بعمل ما يستطيعون من أعمال، ولو بنشر مجموعة من الكوابح والمطبات البسيطة وغير المكلفة على طول امتداد الطريق.

أخيرا أهيب بالجهات القضائية المسئولة اعتبار هذه المقالة صحيفة دعوى، موضوعها ما بينت من خبر، ضد من يعنيهم الأمر، ولصالح  من يتهددهم الخطر.

محمد عبد الله الشيباني
Aa10zz100@yahoo.com

السبت، فبراير 23، 2013

مركز طرابلس الطبي


مركز طرابلس الطبي؛ كائناته الحديدية، ومخلوقاته البشرية!

تكلم الدكتور خالد وريث مدير مركز طرابلس الطبي عبر مداخلة هاتفية مع إحدى القنوات التلفزيونية الليبية عن هذا المركز؛ فوصفه بأنه أكبر مركز طبي في شمال أفريقيا بناء، ولكنه ليس كذلك جودة وأداء. وبرر مدير المستشفى ذلك بالمفارقة الصارخة بين تكاليف تسيير هذا المستشفى كما قدرها أطباء أمريكيون متخصصون عاينوا المستشفى، وما هو مخصص فعليا لهذا المستشفى من قبل الحكومة المالكة والمسيرة له.

الرقمان الصادمان هما على الترتيب: 1000000000 دينار و 11000000 دينار!!!

أي 1000000000 / 11000000

وبتعبير حسابي بسيط، فإن الذي يجب أن يصرف على المستشفى أكثر بحوالي مائة مرة من المصروف عليه فعليا، فقط لا غير!

وبتعبير إداري وفني؛ فإن المركز يشتغل بأقل من واحد على مائة من طاقته المثلى!

ويزداد هذا الرقم بشاعة عندما نأخذ في الحسبان تحميل هذا الفيل الكرتوني بأكثر من طاقته من سكان وزوار محليين ومغتربين لعاصمة ليبيا المليونية!

يصبح هذا الرقم مريعا عندما تفقد إدارته، ولأسباب كثيرة خارجة عن إرادتها، القدرة على السيطرة عليه.  

من الصعب استيعاب ما أدلى به الدكتور، كما أنه من الصعب تخيل مرفق صحي على هذا المستوى من القصور وانعدام الثقة فيه وفي كائناته الحديدية والبشرية، يستطيع أن يفلح في إشفاء مريض على الوجه المطلوب؛ ذلك أن مركب الثقة الذي يقدمه الشخص المداوي، أهم بكثير مما في كفيه من بلسم كيماوي.

وإذا ما استطعت التغلب على نواتج الصدمة المنطقية لهذه المعادلة الحسابية المريعة المذكورة، فإنه بكل تأكيد سيموت إحساسك وتتبلد مشاعرك وأنت تعاين مشهدا فظيعا من أفلام الرعب، وهو يقع حقيقة وواقعا في مركز طرابلس الطبي، وذلك عندما يتحول أحد المصاعد العملاقة العاملة بالمركز إلى مقصلة تعبث جنازيرها وكلاليبها بمريض متهالك مربوط إلى سريره الطبي، حيث تقلبه هذه الآلة المجنونة رأسا على عقب، تماما كما تفعل الرافعات الحديدية في السلخانات بالعجول عند تهيئتها للذبح والسلخ، ولينتهي المشهد المفرط في تراجيديته بتحطم عظام جمجمة هذا المريض المسكين، وبتحول الصندوق الحديدي للمصعد من أداة حمل تعين وتسند إلى حفرة تقبر وتلحد!

الأمر في منتهى البساطة، وبلغة الشارع "ما تعدلش"؛ فالمحركات الكهربائية الجبارة لمصاعد مركز طرابلس الطبي تنفلت من حين إلى آخر من عقالها وتعربد كما شاءت في تلك الآبار السحيقة، وتأخذ في فتح أبوابها وغلقها تبعا لإيعازات الهرمونات الكهرو فولاذية التي تسكنها!

ليت الانفلات والعربدة والتمرد يقتصر فقط على جمادات ذلك المرفق من مصاعد وأجهزة رنين مغناطيسي وأجهزة طبية مختلفة؛ إذن لأمكن تدارك ذلك والسيطرة عليه من قبل الكائنات الآدمية الحية، ولكن المصيبة الكبرى تكمن في انفلات وعربدة وتسيب وإهمال الكائنات البشرية نفسها من مسيرين لهذا المرفق وزائرين.

واجه مذيع القناة التلفزيونية المذكورة مدير المركز المذكور بالسؤال البسيط جدا:

لماذا لا تتخذ إدارة المركز الإجراءات الضرورية من أجل تلافي " الغلط والعوج" الذي يعم هذا المرفق؟ ولتسهيل الأمر على الدكتور المسؤول ضرب المذيع مثلا للغلط والعوج بظاهرة التدخين التي تتبعك من مدخل المركز، ودار دار، وكارادوري كارادوري، حتى توصلك إلى غرف العناية المركزة!

رد الدكتور بجواب أبلغ منه السكوت!

قال الدكتور: لا نملك السيطرة على الذي في المركز يدور!

أما أنا فليس لدي ما أقول إلا:

اللهم ألطف بي، ولا تمتني في مركز طرابلس الطبي!

ولكن، وحتى يحين أجلي، لا بأس من المساهمة في تصور حل ما لهذه المشكلة المعضلة.

ببساطة أقترح مناقشة فكرة الشريك المالي الفني للمشاركة في تسيير مثل هذه المرافق.


محمد عبد الله الشيباني
Aa10zz100@yahoo.com