الاثنين، مايو 06، 2013

مآسي زهايمر حمى الكراسي


مآسي زهايمر حمى الكراسي!

رغم كل الانتقاد الذي تم توجيهه للمنح المالية المختلفة التي وجدت طريقها إلى جيوب المواطنين الليبيين العاديين في شهور عسل التغيير، إلا أن هذا الإجراء العفوي البسيط، والذي بموجبه أحس المواطن بأن السلطة الجديدة الناشئة عن التغيير السياسي الذي كلف الليبيين الكثير هي على علم ووعي بالأهداف الحقيقية للتغيير، تلك الأهداف التي لا يتردد حتى الطفل الليبي الصغير في التأكيد عليها، وهو يجيب على السؤال الصعب المعروف: لماذا ثار الليبيون؟

الطفل يجيب: من أجل إزالة الفقر، والظلم، والمرض، والفساد، والحجر على إرادة الناس ... الخ!

تجاوبت السلطة الجديدة بسرعة وسارعت إلى تحسيس الليبيين بأن مفاتيح خزائن ثروتهم قد آلت إليهم، وأعطتهم أمارة ذلك، وهي تلك المنح المالية، ولو أنها رمزية، ولسان حالها يقول: بداية الغيث قطرة!

وفجأة وبدل أن تتابع زخات مطر التغيير، ويلمس المواطن تحرك الحكومة الجاد نحو القضاء على الأعداء الحقيقيين المعروفين لدى كل الليبيين؛ الفقر والجهل والمرض وشركاؤهم، أخذت النخبة السياسية المؤدجلة حتى النخاع بخطام قطار التغيير، واشترطت علينا قبل مواجهة أعدائنا الواقفين على أعناقنا ضرورة المرور قبل ذلك بمحطة الفرز والاصطفاف الأيديولوجي، وكأنه لا يمكن لنا تطوير المركز الطبي المتداعي وإقامة عشر مستشفيات مثله، وكذا إصلاح الطرق والمدارس والجامعات وتطوير المؤسسات المختلفة، كأن كل ذلك لا يمكن أن ينجز إلا بعد المرور بمحطة التميز والفرز الحزبي الأيديولوجي.

ولكن، لم لا؟ ألم نفعل ما فعلنا من ثورة إلا من أجل أن نشكل أحزابا حرَّمها علينا حاكمنا السابق؟

بلى. فليس الخلاف على تشكيل الأحزاب، وإنما على توقيت تشكيلها، والذي أنتج سلبيتين؛ أولهما: توجيه طاقات المجتمع نحو جبهة الصراع السياسي الموازية للجبهة الرئيسية المذكورة والمنافسة لها، وثانيهما، وهو الأهم: إحداث انقسامات وشروخ في البناء الوجداني للناس، والذي بلغ تمام بنيانه وحده المثالي إبان اصطفاف الليبيين صفا واحدا، ووقوفهم تحت شعار تحرير وبناء ليبيا.

لا مانع في سنة أولى ديمقراطية من تكوين منابر وصحف ونواد وجمعيات سياسية ذات ألوان أيديولوجية مختلفة من أجل تثقيف المجتمع فكريا وسياسيا حتى يصل إلى مرحلة النضج السياسي، وهي مرحلة لابد من بلوغها والمرور بها من أجل تحقيق  التعاطي الآمن مع الأدوات الديمقراطية الخطرة، والتي لا عهد لنا بها.

وفي ذات الوقت نقوم بتشكيل مجالسنا التشريعية والتنفيذية المسيرة للدولة الناشئة عن طريق الانتخاب المباشر الحر بعيدا عن أي مظلة ولون حزبي معين.

لقد حدث العكس، وبُدِء بما لا يجب أن يُبدأ به، وتصدر الجموع المتحفزة لقتال الأعداء الحقيقيين رموز سياسية مختلفة الأهواء والمشارب، وأقام كل واحد منهم لواء وشعارا، فانقسم الجيش الواحد إلى كتائب وفرق واتجاهات لديها من أسباب التفرق أكثر مما لديها من أسباب وأدوات الاتحاد، وتحولت جبهة الحرب من قتال الأعداء التقليديين المعروفين لكل الليبيين إلى أعداء آخرين لا يعرفهم سوى عدد قليل أسموا أنفسهم الأيديولوجيين أو الحزبيين، وربما نخبة النخبة!

الأيديولوجيون مهما تفننوا في تحسين سحنتهم الأيديولوجية، وتصنعوا في تهذيب غريزة حب السلطة وترويض وحش الكراسي الذي يسكنهم، إلا أنهم لم يفلحوا جميعهم في ذلك.

إنهم يقولون: أجل نحن نضع نصب أعيننا الكراسي!

وليس في اعترافهم هذا ما يشين، وذلك بشرط واحد هو:

أن لا تؤثر حمى الصراع على الكراسي في تفتيت جبهة محاربة طابور الأعداء المعروفين، والذين يقوون ويكثرون بتحول حمى الصراع الأيديولوجي إلى زهايمر يشطب من الذاكرة البيانات والمعلومات المركزية لوعي المجتمع وإحداثيات رحلته الحضارية، والتي لن يتحرك قطارها دون تحول جبال الفقر والمرض والجهل، والفساد، وغيرهم!

الذي أخشاه وببساطة أننا أسأنا تشخيص حالتنا، واستعملنا وصفة دوائية لحالة مشابهة شكلا وليس جوهرا لحالتنا المرضية. ذلك أن انهماكنا، ونحن في بداية رحلة التغيير والتطوير، في الاصطفاف الأيديولوجي، قد أظهر الكثير من السلبيات، بل وصنع شروخا وانزلاقات أرضية أمام سكة قطار التغيير.

قبل أن تغلي الساحة بمعركة العزل السياسي المؤججة مباشرة بزيت الأيديولوجيا والمحقونة بفيروس حمى الكراسي، كنت قد توجهت بقلمي الواهن البسيط إلى أشياء حولي من مثل مستشفى في منتهى السوء، وطريق طافحة بالأذى، وبطالة، وتجريف أرض زراعية، وغير ذلك من الجحور التي يحتمي فيها أعداء الشعب الليبي الحقيقيون؛ المرض، والجهل، والفقر، والفساد، .... الخ.

من ذاك يقرأ مقالا عن مشكلة العنوسة، أو عن تردي حالة مستشفى، أو بوار حال التعليم، أو غير ذلك من مصائبنا المزمنة، وهو يطالع الأخبار الساخنة عن الاقتحامات المسلحة لمؤسسات الدولة، وصراع النخبة المؤدلجة، وتنافس الكبراء، وجميعهم لا يحملون في أيديهم سوى الشعار المعبر عن أيديولوجيتهم وإن تدثر برداء الوطن المشروخ بعدد اتجاهات نخبته السياسية؟

الجواب. لا أحد!

وشيئا فشيئا تنتقل عدوى زهايمر حمى الكراسي من النخبة إلى بقية المواطنين، وينسى الجميع أن لهم عدوا كان يدعى الفقر أو المرض أو الجهل، أو حتى الدكتاتورية، لأنهم ببساطة أصبحوا جميعهم دكتاتوريين!

دكتاتورنا السابق تعلق بالكرسي حد الجنون، فناله من زهايمر حمى الكرسي ما لم ينل غيره، حتى أنه نسي أن الشعب الليبي فقير ومريض وجاهل ومستعبد!

ألم يقل أن لديه سيولة فائضة لا يعرف أين يوجهها!

ألم يقل أن الجماهيرية هي رائدة العالم ومعلمته؟!

تلك هي أعراض زهايمر الكراسي الأيديولوجية، وذلك الرجل أب المحمومين حتى الزهايمر أيديولوجيا.

أسأل نفسي دائما: ماذا لو نسي الجميع موضوع أيديولوجياتهم المتباينة لبرهة، وركبوا جميعهم ذلك التيار الشعبي البسيط المتكلم بأبجدية شعبية بسيطة قوامها الحرب على الأعداء الحقيقيين الظاهرين المعروفين والذين لا ولن يختلف على حربهم اثنان ولو بنصف عقل؟!

أجل سنتساوى ونتحد جميعا مهما اختلفنا أيديولوجيا ونحن نحارب المرض ونرفع من مستوى المستشفيات.

وكذلك ونحن نبني الطرقات والمدارس ونصلح المؤسسات.

وأيضا ونحن ننشر نور العلم ونحارب الجهل، وننتشل المجتمع من غيبوبة مخدر العقل والبدن.
.......................................
.................................................
.........................................................
قد يبدو كلامي موغل في السطحية، وربما السذاجة، وهي تهمة لا أنفيها، ولكن وسيلتي الوحيدة لدفعها هي ما عليه واقع الحال، وما يعانيه جسم التغيير من هزال، وما تشي به مآلات الأمور من سوء مآل.

 محمد عبد الله الشيباني
Aa10zz100@yahoo.com

ليست هناك تعليقات: