مؤامرات وجنرالات
وببغاوات وإمعات!
برغم ما يكتنف
المشهد المصري هذه الآونة من تعقيد، وبرغم ما يعتريه من تناقض وغموض، إلا أن ذلك
لا ينطلي على العين الشفافة المحايدة المتوازنة الزوايا، والمعافاة من الحول الذي
تقذف به الصور الظاهرية للمشهد، والتي أعدت بحرفية بالغة بقصد إرباك هذه العين
وتضليلها تمهيدا لإنهاك وإرباك العقل والتشويش عليه ومنعه من اتخاذ القرار الصائب
والموقف العادل تجاه الأحداث المتسارعة الهامة الخطيرة الجارية في مصر حاليا.
وحتى ندرك معدل
سرعة هذه الأحداث وإلحاحها وقوة طرقها، ما علينا إلا تجميع مفردات المشهد المصري
القائم من أطرافه المتعددة والمترامية مكانيا وزمنيا، وحصر مكونات تركيبته المعقدة
الثقافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية، وقسمة ما تجمع لدينا على
المدى الزمني القصير جدا الذي لم يتجاوز العام من عمر أول نظام ديمقراطي يحكم مصر
الفرعونية على مدى تاريخها الدكتاتوري الطويل. ناتج هذه القسمة هو معدل السرعة
الذي أركض المصريون رئيسهم المنتخب مرسي به!
ليت الأمر وقف عند
هذا الحد، وترك المصريون فرعونهم الخجول الضعيف المنشق حديثا عن أسرته السياسية
الفرعونية العريقة، وساعدوه ولو بصمتهم وصبرهم عليه، وأمهلوه حتى بلوغ فترة الفطام
الديمقراطي المتعاقد عليها عرفا وقانونا، والبالغة أربع سنوات، والتي بعدها فقط تتراءى
أعراض وعلامات الفشل، أو حجج وأدلة النجاح.
كلا، إنهم استدعوا
كل مخزون فهلوتهم المنفلتة، وقذفوا بكل سيل غريزة استعجالهم، وطلبوا من الفرعون
المنشق الخجول المتردد أن يقطع في عام واحد ما كان عليهم هم وفراعنتهم الذين
أطاعوهم وخضعوا لهم أن يقطعوه في آلاف السنين!
ولكن هل حقا فهلوة
المصريين واستعجالهم هما فقط من سببا في إرباك الفرعون الديمقراطي، ومن تم رميه
بصفة الفشل الذريع، ومعاقبته بالإعدام المعنوي، وربما المادي؟
كلا، فالجرح المصري
أعمق من ذلك بكثير، وما الفهلوة والاستعجال المصري الساذج البسيط إلا خشبتا المركب
الذي عبر عليه الجنرالات وأمسك به الإمعات والببغاوات حتى تتحقق المؤامرات!
المؤامرات البادية
على السطح كثيرة، إلا أنه يكفينا منها أبرزها وأظهرها للتدليل على ما خفي منها.
أبرز هذه
المؤامرات هي التي تحقق بالفعل هدفها الآن، وهو شطر الشعب المصري إلى شطرين.
وعندما نقول شطرين لا يتحتم علينا ضرورة إثبات ذلك بالطريقة الغبية التي تبناها
الجنرالات وفرحوا بها وكرسوها وكأنها فتح علمي جديد، ألا وهي طريقة الاقتراع
بالفدان البشري العقيمة، ولكننا نعني بها انقسام المصريين إلى كتلتين بشريتين كبيرتين
ظهر حجمهما بوضوح، كما ظهر اختلافهما حتى درجة الاحتراب وسيلان الدم.
هاتان الكتلتان
المكوننان للشعب المصري، يشكل الشباب المتحمسون معظم نسيجهما، كما وتعبث الأمية
بحوالي النصف منهما، وهو ما يعرض هاتين الكتلتين وبقوة لتفشي ظاهرة القطيع فيهما،
وتحول الجزء الأكبر منهما إلى إمعات تجمعهم صيحة وتفرقهم أخرى.
ها قد ظهر رأس جبل
جليد المؤامرة، وذلك بإفلاحها في قسمة المصريين إلى فريقين متخاصمين، وقامت
بتحويلهما إلى ملايين من الإمعات يسوقهم كلب الراعي، وتحركهم صفارة ببغاوات
الإعلام التجاري العاهر.
بيد أن ما تريده
هذه المؤامرة بشكل أدق، فقد تمثل في تركيز ضرباتها على رأس الفرعون المنشق والرئيس
المنتخب مرسي، وتصويره على أنه أحد العيوب الكثيرة لثورة 25 يناير التي أسقطت حكم الجنرالات
الفراعنة العريق!
طابور من الكتاب
والمذيعين والسياسيين، ومن ورائهم الملايين الإمعات المغرر بهم يتغزلون هذه الأيام
في الجنرال السيسي، كما تغزلوا سابقا في جنرالات فراعنة ساموا المصريين سوء
العذاب، وضربوا بأحذيتهم رأس مصر وشدوه في الأسفل حتى تكون هذا الفرق الصارخ بين
قامتي التوأم كوريا ومصر، وتوائم أخر كثيرون لمصر كالصين والهند وغيرهما.
تصرف الرئيس
الديمقراطي الأول لمصر خلال عامه الأول بدرجة عالية من الديمقراطية تمثلت في:
ــ حرية في
الإعلام لدرجة الانفلات لا تخفى على كل عين منصفة.
ــ نعومة أمنية
مترفة وصلت إلى حد إتيان المتظاهرين بونش لخلع باب قصر الفرعون المنشق الخجول
الضعيف.
ــ خلو السجون المصرية
ولأول مرة في تاريخها من أي سجين رأي.
ــ خطاب رئاسي
منطقي سلس متجاوب خال من كل أصناف التحدي والاسنكبار، وظهور رئاسي في منتهى
التواضع والتودد.
لا يربطني بمرسي
وحزبه وجماعته أي رابط سياسي، ولكنني أجد نفسي مضطرا إزاء ما عرضت إلى أن أشهد
وأقول:
لو لم يحقق مرسي
في عامه الأول غير هذه المكاسب الديمقراطية المذكورة لكفاه!
أما الحقيقة المحزنة
فهي رسوب المصريين في سنة أولى ديمقراطية.
محمد
عبد الله الشيباني