الثلاثاء، يوليو 10، 2012


سفينتنا ألواح وعيدان، ونحن نلح في انتقاء الربان!

" .........علماني. ليبرالي. فيدرالي. إخواني. سلفي. زنتاني. مصراتي. ورفلي. شرقاوي. طابور خامس. أزلام............"

كتبت مئات المقالات، قبل الثورة وبعدها، والتي كانت كلها منصبة على الشأن الوطني، ووضعت لها مئات العناوين، ثم حشوتها بآلاف الكلمات، إلا أنني لم أكن بحاجة، ولو لمرة واحدة، إلى أن أمد يدي إلى سلة الأسماء والألقاب الموضوعة عاليه، أو إلي مرادفاتها!

لماذا؟

لأنني كنت منهمكا في سلة العناوين التالية:


" ............... تسلط. استبداد. دكتاتورية. فساد اقتصادي وسياسي واجتماعي وإداري. قبلية. فقر. مرض. تخلف. بنية تحتية متدهورة. خدمات متدنية. نفاق واحتقان اجتماعي. تسيب إداري. أمية. بطالة. مخدرات. عادات اجتماعية سيئة. قمامة. خدش حياء عام. تدهور أمن ............."!
    
ورب سائل يسأل: لماذا اقتصرت على السلة الثانية، وعزفت عن الأولى؟

والجواب ببساطة: لأن ما تحتويه السلة الثانية من هموم وقضايا ملحة خطيرة، تمنع من مجرد التفكير في غيرها،  فضلا عن الاهتمام بها، وتكريس الوقت والجهد لها، بل والتخاصم حولها.

الطريف في الأمر أنك إذا ما حاولت نبش ركام السلة الثانية، واقتربت من أحد ألغامها الواضحة البارزة الجلية ، لتفككه وتؤمن انفجاره، لا تجد من يعيرك أي اهتمام، ولو بالمساهمة بتعليق على المقال الذي تكتب، فضلا عن المساهمة الإيجابية الفاعلة إلى ما تدعو إليه وترغـِّب.

أما إذا اقتربت من السلة الأولى، الحاوية لأسماء النحل والمذاهب، أو أسماء القبائل والكتائب، فإنك وبمجرد وضع عينيك على إحدى مكوناتها الهلامية الرخوة، والتي تتسع لألف رأي ورأي، يمطرك الجمع المتحفز بمساطر وسكاكين حادة، ويغمروك بتعليقاتهم الهازلة والجادة، وربما منحوك صكا إلى الجنان، أو قذفوا بك نحو جحيم النيران!


شريكان في سفينة، بدءا عملهما في البحث عن ربان هذه السفينة، وواصلا النهار بالليل من أجل انتقاء هذا الربان، إلا أنهما أغفلا وبشكل كامل أمر بناء السفينة، والبحث في جدوى صناعتها وتشغيلها.

سفينتنا ليبيا لا زالت ألواحا وأعوادا متناثرة هنا وهناك، ونحن نتخاصم على الربان، واسمه، والكلية التي تخرج منها، وربما التدقيق في عاداته الشخصية، وأي ناد رياضي يشجع!

مكونات السلة الثانية هي ركائز قيام الدولة الليبية، ولن يتمكن أفضل القادة، ولو أتينا به من مملكة الجن، أن يدير أمر البلاد، دون توفر الحد المعقول من ركائز بناء الدولة.

معرفتنا بمحتويات السلة الثانية من مثل الفقر، والجهل، والمرض، والفساد، وغيره، وقدرتنا على إزالتها، هي وسيلتنا الوحيدة لمعرفة مدى صلاح قادتنا، وهي أيضا وسيلتنا لتغيير هؤلاء القادة، وما كان الدكتاتور القذافي ليطأنا بحذائه أربعين عاما وزيادة، إلا لأننا كنا تحت ركام محتويات السلة الثانية اللعينة.

وغني عن البيان أن زوال القذافي لم يكن ناتجا منطقيا، أو علامة على تخلصنا مما نعاني من عوامل التخلف التي تحويها السلة الثانية، وإنما كان تدخلا إلهيا صرفا، وذلك من أجل تحرير إرادتنا، ليري الله والناس ما نحن فاعلين، بعدما زال المشجب الذي كنا نعلق عليه كسلنا وهواننا وضعفنا.

لابد أن أعضاء المؤتمر الوطني، على دراية بمحتويات السلة الثانية، وإن أقل ما نرجوه منهم هو العمل على توجيه الأنظار والجهود نحو هذه السلة، سلة ركائز بناء الدولة، والإمساك بهذه الركائز وتقويمها، ووضعها حيث يجب أن تكون من بنيان دولتنا الليبية المنشودة.

 محمد عبد الله الشيباني

الاثنين، يوليو 09، 2012




المولود الديمقراطي الليبي البكر؛ حدثٌ دهريٌ كوني!

سكت الكون والدهر طويلا، ولم يبح ضميرهما بأي خبر مهم مفرح يتعلق بالشأن الليبي، ولكنهما يقومان الآن بإعداد اللمسات النهائية على البيان الدهري الكوني الرسمي الأول، والذي تسربت بعض بروفاته، وفيما يلي نصها:


" في اليوم ........، من الأسبوع الثاني من شهر يوليو من العام الثاني عشر بعد الألفين بالتقويم الميلادي، وعلى بقعة من الأرض تعرف بليبيا، يسكنها حوالي الستة ملايين من الناس المعروفين  بالليبيين، وُلــد  الابن  الديمقراطيالشرعي الأول: المؤتمر الوطني! ".

ونظرا لأهمية هذا البيان وخطورته، تتزاحم الأقلام وتتصارع، ويتحامل مدادها ويتدافع، من أجل نيل شرف المساهمة في صوغ حروف وكلمات هذا البيان.

ولئن أظهرت الصورة في مقدمتها القلم والمداد، إلا أن في خلفية هذا المشهد الكوني الصاخب الكثير من المحتفين المتزاحمين، والذين يمثلون في مجموعهم جوهر الحياة التي نعيش، والذين يتلهف كل واحد منهم على أن يكون في المكان اللائق به من هذا الحدث التاريخي العظيم.

ومن هؤلاء على سبيل المثال لا الحصر:

الحرية: تنتصب الحرية في قلب المشهد، ولأول مرة في حياتها تخلع الحرية عن وجهها المشرق الجميل ثوب الحداد، وتبتسم ابتسامتها الحقيقية غير المزيفة، باعثة في نفوس قوافل الناخبين الثقة، ونازعة من صدورهم كل خوف من حاكم متسلط أجبر الحرية خلال العقود على أن تتسمى بالاسم الذي يريد، وأن تظهر بالمظهر الذي يحب، وأن تبتسم ابتسامة مزيفة كابتسامته الخبيثة الماكرة الغادرة.

الكرامة: وبين يدي الحرية وفي حضنها الرحب، تتربع الكرامة، مشيرة بذلك إلى الارتباط العضوي الشرطي بينهما، ومشيرة أيضا إلى أن الكرامة لا تتحقق وصوت الناخب مجرد رقم بارد على رف يدفنه الغبار في مخزن قمئ في أحد مقرات المؤتمرات الشعبية سيئة الصيت.

العدل: يقف العدل في قلب المشهد المهرجاني شامخا مرفوع الرأس، بعد أن ظل الدهر كله مطأطأ الرأس معقود اللسان، يحركه الدكتاتور بخيوط المكر والخديعة، فيقول زورا، ويفعل ظلما، حتى بدا مسخا لا قالب له ولا قوام.

الحضارة: في مكان المصباح من المكان، أخذت الحضارة مكانها في صورة المشهد الاحتفالي الليبي الرائع، مشيرة بفعلها هذا إلى تحفزها من أجل أن تهدي إلى ليبيا الجديدة أعز ما لديها من منتجات، كمثل الأمن، والعلم، والغنى، والعافية، والنظام، وغيرها من منتجات حضارية تعطل قدومها طويلا،  بسبب تعسر المولود الديمقراطي البكر.

هل يا تُـرى يعي جموع الليبيين معنى هذا الحدث الدهري الكوني الذي اجتمع لأجله هذا الحفل الكريم؟!

آمل ذلك!

محمد عبد الله الشيباني

الأحد، يوليو 08، 2012


البذاءة بعدما خدشت حياءنا في الشوارع، ها هي تفقأ عيوننا في المواقع!

عندما نمارس الحياة نتنفس الهواء النقي برئاتنا. وتنفسنا للهواء النقي هو الحد الأدنى لبقائنا أحياء، ثم ترتفع مراتب حياتنا بارتفاع مستوى وجودة العلاقة التي تربط حواسنا الأخرى، من سمع، وبصر، وشم، وحتى ملمس، بالوسط الذي نعيش فيه.

الحد الأدنى من مستوى الحياة الذي تمارسه رئاتنا يعتمد اعتمادا كبيرا على نقاء الهواء، والذي بتلوثه تضطرب الرئة، ويهبط مستوى أدائها، ونعتل، ونموت.


البذاءة التي تتكدس حول آذاننا، أهم حواسنا، ونحن نعبر شوارعنا، ونمشي في أسواقنا، هي أكبر وأخطر بكثير من أكداس قمامة شوارعنا ورائحتها النتنة.

صبيان، وشباب، وحتى كهول، يعربدون في شوارعنا، ويتقيئون أوسخ ما يحتويه جوف متكلم من كلمات، ثم يصبونها صبا في عيوننا وآذاننا وقلوبنا وضمائرنا، وليس لنا حق التأفف الذي نمارسه بحرية في وجه كوم القمامة المتعفنة.

معربدون يملئون الشوارع، ويلقون فيها أبشع قمامة أفواههم مما يخدش الحياء، ويخز الضمير، ويجرح الكرامة، وينغص الحياة، وليس لك، وأنت تواجه ذلك، حتى مجرد النصيحة الخجولة؛ فبمجرد فعلك هذا، تنفتح عليك أبواب جهنم، وتضحى فريسة تهكم هؤلاء المعربدين، وربما بطشهم.




حقا، إن قانون الأواني المستطرقة، مطبق بحذافيره على البيئة التي نعيش فيها. ذلك أن مستوى التلوث الذي عليه شوارعنا بما حوت من جبال قمامة، هو ذاته مستوى التلوث في هوائنا الذي نتنفس، وفي خطابنا الذي نسمع، وفيما حوت الشبكة العنكبوتية من منتدى وموقع.


وإذا كان للشوارع عذرها بغياب شرطة الآداب فيها، إلا أن المواقع، وخاصة المعروفة المشهورة منها، كصحيفة الوطن مثلا، لا يوجد لها أي عذر، وهي تضع أمامنا، وبدون ما غربلة، ما يتقيؤه عديمو الذوق منعدمو الأخلاق!


أحد هؤلاء المعلقين سمحت له صحيفة الوطن التي يكتب فيها الكثير منا ويقرؤون، بنشر أوسخ ما في شوارعنا من كلمات بذيئة، والتي زاد من بذاءتها كونها موجهة إلى شخصية يجب علينا احترامها مهما اختلفنا مع وجهة نظر صاحبها، وهو سيادة المفتي، الشيخ الصادق الغرياني.
  
وكما يمارس الموقع دوره في عدم السماح بكتابة مقال بذيء، يجب عليه عمل الشيء نفسه مع التعليقات. ذلك أن قراء التعليقات ربما يربون في أحيان كثيرة عن قراء المقالات مثار هذه التعليقات.
  
قد لا أجاوز المعقول لو قلت لكم إن أصعب معركة يتحتم علينا خوضها، هو مواجهة جيش السفهاء المنتشر في طول البلاد وعرضها، وفي صدر هذا الجيش ومقدمته يبرز للعيان، ودون مواربة، سفهاء الكلمة عديمو الحياء.

وقد لا أجاوز الصواب أيضا، لو أرجعت أسباب الكثير من عللنا النفسية والاجتماعية والسلوكية، وحتى هزيمتنا الحضارية، إلى تفشي ظاهرة تهوين بعضنا للبعض الآخر. وأي تهوين وتحقير للإنسان أعظم من إجباره على سماع ما يكره من أفواه حثالة المجتمع وسقطته!

وفي هذه المناسبة أوجه دعوة حارة صادقة إلى مجتمعنا المدني الذي تحرر من قيوده، بالعمل على إيلاء ظاهرة قمامة الكلمات الاهتمام الذي تستحق، والسعي إلى إنشاء مؤسسات اجتماعية تحد من هذه الظاهرة، وتدفع المجتمع شعبيا ورسميا إلى مواجهة سفهاء الكلمة الخادشين حياءنا، الماصين دماء وجوهنا، المسفهين كل قيمة لدينا.

لابد أن القصور في القوانين السارية التي تعالج هذه الظاهرة هو أحد أسباب تغول هذه الظاهرة، فلو علم صناع البذاءة بأن صناعتهم هذه مما يحرمها القانون لما تجرأوا على بيعها فوق الأرصفة، وفي وضح النهار.

وبذا نأمل أن يوجه المؤتمر الوطني بعض اهتمامه نحو هذه الظاهرة، فيصدر قانونا خاصا بها، ويضع العقاب الرادع لكل من يتجرأ على إفساد رونق حياتنا بما يتقيؤه من منكر الكلمات وأشنعها.

محمد عبد الله الشيباني

السبت، يوليو 07، 2012


المصالحة؛ لابد أن تتصدر أجندة أعمال المؤتمر الوطني

الفهم الضيق والبسيط للمصالحة، والذي يحصره البعض في مجرد السعي وراء استقدام نازحي الحرب الأخيرة بين الشعب وحاكمه، والتي وبسبب مكر الليل والنهار، تطورت فأصبحت بين الشعب بعضه البعض.

رجوع المواطنين الليبيين النازحين، والذين في معظمهم ليسوا من (أزلام القذافي) كما شاع على لسان العامة، إلى وطنهم، ومهما حوت صفحتهم الجنائية، هو أمر في غاية الخطورة والضرورة. ذلك أن هجرة جماعية كمثل هذه الهجرة التي نعاني منها الآن، هي هجرة غير عادية، ولابد أن نتبع في  معالجتها طرقا غير عادية أيضا.

هي هجرة تختلف عن هجرة الليبيين إبان الاحتلال الإيطالي، كما تختلف عن هجرتهم هروبا من الحكم الدكتاتوري البائد، عندما كان دافعهم الوحيد هو مجرد النجاة من بأس حاكم ظالم، كان هو خصمهم الفريد الوحيد. ولو أراد الله بالقذافي خيرا، وأقبل صادقا على مصالحة مخالفيه، واستقدمهم من أرض هجرتهم، لرجع ذلك الكم الهائل منهم، ولتغيرت الخريطة السياسية الليبية تغيرا كبيرا من ِشأنه أن يحول دون ما وقعت فيه البلاد من حرب الإخوة واقتتال الجيران.

قدر الله وما شاء فعل، ووقعت الحرب الأخيرة، وتورط الليبيون في قتال بعضهم البعض، ونتج ما نتج من أمر الهجرة الجماعية الأولى في تاريخ ليبيا، والتي يقدر البعض حجمها بأكثر من المليون من الستة ملايين ليبي.

كل ستة ليبيين من بينهم واحد بعيد عن أهله ووطنه. وبمعنى آخر فإن كل عائلة ليبية قد هجرها أحد أفرادها، وأقام في ديار الغربة تكتنفه الشكوك وتحيط به الريب والظنون حول مستقبله ومستقبل من يعول. كما أن كل واحد من أولئك الستة من الليبيين، هو مصدر حزن وخوف لمواطنيه الخمسة المقيمين داخل الوطن، وذلك لما يتوجسه هؤلاء من ذلك الشارد عن السرب المفارق للجماعة.

ما من نازح عن وطنه إلا ولديه سبب لنزوحه، ومهما كان سبب هذا النزوح، فإن أمر البث فيه هو من صميم عمل المجتمع قيادة وأفرادا.

أجل هناك أعمال خطيرة كثيرة تنتظر المؤتمر الوطني، وتكمن أهميتها في أنها تمثل حجر أساس الدولة الليبية التي حررت للتو من ربقة الحكام  السفهاء الطغاة الذين حكموا البلاد العقود الطوال بدون دستور أو مجلس برلمان أو حكومة منتخبة.

وبرغم أهمية ما تحويه السلة الديمقراطية من مكونات ثمينة؛ من مثل الدستور والبرلمان وتوابعهما، إلا أن محتوى سلة الوطن البشرية، واكتمال مكوناتها أعظم أهمية وأكثر إلحاحا.  

السلة البشرية لوطننا ليبيا بها فراغ كبير مخيف، وهو فراغ سيتزايد أثره السلبي، ويتعاظم ضرره مع مشرق كل يوم، يظل فيه ألف ألف من الليبيين، أو يزيدون،  بعيدين عن الوطن، تفترسهم الغربة، وتبتزهم الحاجة، ويطمع فيهم الطامعون.

نأمل من المؤتمر الوطني أن يقوم بتبني خطة محكمة لإنهاء هذه الحالة الشاذة، مستعينا بذوي الاختصاص من داخل البلاد وخارجها، آخذا في اعتباره خصوصية هذه الهجرة، وذلك لكونها هجرة ذات أسباب ضحلة الجذور، كضحالة جذور المتسبب الرئيسي فيها، وهو القذافي وعصابته.

من المفيد لإنجاز هذه الخطة القيام بإنشاء مكتب في كل سفارة ليبية في تلك الدول المضيفة للنازحين الليبيين، على أن تكون من أهم مهمات هذا المكتب هو فتح قناة اتصال واسعة مع الليبيين المتواجدين في نطاقه.


ويبدأ هذا المكتب عمله بإعداد قاعدة بيانات عريضة ونشطة، وتحوي من الآليات ما يؤهلها لأن تكون ليست مجرد بنك معلومات ورف ملفات، بل أن تكون ذات أذرع تجميع واتصال، وذات أيدي وفاق واتفاق.

وبمجرد شعور النازحين بدفء ذراع دولتهم، سيخمد في قلوبهم كل غضب، وستهدأ كل ثورة، وستزول كل ضغينة. ذلك أن مجرد الاطمئنان إلى مصداقية أدوات الاتصال، وصدقية جهود المصالحة من شأنه أن يوفر الليونة الضرورية في أيدي النازحين الحانقين الغاضبين، ليسهل بعد ذلك جمعهم تحت ظل شجرة المصالحة.

عندما نلح على أمر المصالحة والعمل على سرعة استقدام الألوف المؤلفة من النازحين الليبيين شركاء الوطن، فإننا بذلك نقوم بوضع الحجرة الأهم في أساس بنيان دولة ليبيا الديمقراطية، والتي لا تستطيع أن تنشئ دستورا شرعيا، أو برلمانا حقيقيا، وشطر مهم من جسم الدولة مقطوع منزوع.

إن تقدير أولويات الأعمال من حسن إدارة هذه الأعمال، وعلامة نجاحها، ولا أظن أن هناك عملا ألح إنجازا، وأولى اهتماما من عمل المصالحة.

ومهما كانت جناية من جنى، ومن أي طرف كان، فإن غض الطرف عن المتسبب الأول لسلسلة هذه الجنايات، وعدم احتساب أثره في هذه المصيبة التي حلت بالشعب الليبي، لهو من باب القصور في الرأي. ذلك أن القذافي انفضح للجميع أمره، وبتنا كلنا نعرف مؤامراته ودسائسه التي كان يهدف من خلالها إلى تسميم العلاقة بين الليبيين، وزرع العداوة بينهم في أوقات السلم، ناهيك عن أوقات الحرب.

والحرب إذا دارت رحاها، فإن معادلاتها الحادة هي التي تسيطر على ساحتها، ويصبح من أشعلها وقودا لها، ولن يخرج كل من خاضها عن واحد من ثلاثة؛ قاتل، أو مقتول، أو أسير. وليس من قتل بأحسن حال من المقتول، وليس النازح بفعل الحرب بأسوأ حال  من المقيم على كثبان رمادها!

أيها الليبيون؛ نازحون، ومقيمون، ليس من طريق توصل إلى محو آثار الحرب التي شنها القذافي علينا، أقصر من طريق المصالحة. وليس هناك من نصر نحققه أعظم من تسفيه حلم القذافي في تشتيتنا، وهو حلم كرس له القذافي حياته، وها هو البعض منا، وبكل أسف، يكمل ما عجز القذافي عن إكماله.

مقالات ذات صلة:


محمد عبد الله الشيباني

الجمعة، يوليو 06، 2012



في يوم الانتخاب، عار علينا إن نسينا صناع الانتخاب

أيما قتيل سال دمه الطاهر جراء عدوان الطغاة، ولو كان طفلا صغيرا، أو شيخا عاجزا، فإننا نحتسبه عند الله شهيدا. وبغض النظر عن مرتبة الشهداء عند ربهم الغني الكريم، إلا أن قدسية دم الشهيد ورهبته لدينا، نحن الذين قطفنا ثمرة جهاده وتضحياته، لا تعادلها مرتبة من مراتب أعظم الأحياء منا، مهما احتوى سجله من عمل وطني عظيم.

ومساهمة متواضعة مني في تكريم الشهداء، صنعت مما أعرض، على رصيف جانبي ناء، من سلعة الحروف والكلمات، هدية من حروف، وتذكارا من كلمات، ولم أجد غلافا لهديتي  هذه سوى الحروف والكلمات نفسها، كما لم أجد كلمات أجمل وأبلغ من عبارات الانتخاب اللذيذة، فكان غلاف الكلمات هو أيضا من كلمات، وكان على هيئة  رمز انتخابي، هو:
                 
                        "الدائرة الانتخابية رقم 14"

الدائرة الانتخابية الرابعة عشر تلك، هي سيدة كل الدوائر الثلاثة عشر المعروفة، وذلك لأنها كانت في مثل هذه الأيام من عام مضى ملء السمع والبصر، وكانت هي الدائرة الوحيدة التي بادر بالتسجيل فيها كل ليبي ضاق ذرعا بالطاغية وحكمه، وجبروته وظلمه.

محيط هذه الدائرة، تم رسمه بدماء الليبيين، وعصارة مهجهم، وخلاصة آمالهم وأحلامهم، حتى أحاط هذا الرسم بحدود ليبيا من شرقها إلى غربها، ومن شمالها إلى جنوبها.

بداخل هذه الدائرة الحمراء دارت حربا لم يشهد التاريخ لها مثيلا، وذلك لما تفردت به من سمات سيئة كثيرة عديدة، ولكن أسوأ هذه السمات وأفظعها، هو قيام حاكم بإعلان الحرب الشاملة على شعبه الذي حكمه أزيد من أربعين عاما. كما اتسمت هذه الحرب بصفات حسنة عديدة كثيرة، ولكن أحسنها، هو ذلك الانحياز والاصطفاف الكامل لجنود الأرض والسماء إلى جانب المظلومين طالبي حقهم في العدل والحرية والكرامة.

بُعيد انجلاء هذه المعركة المشهودة، وبعد أن تحقق نصر الله للمظلومين، أخذت خطوط هذه الدائرة التي طوقت ليبيا كلها تستقر وتترسخ، معلنة قيام دولة ليبيا الجديدة بمكونها المادي المعروف، وكذا مصرحة بمكونها المعنوي الزاخر بالمثل والقيم المعنوية النبيلة؛ من حرية، وعدالة، وديمقراطية.

بيد أن المكون المعنوي الأنبل لهذه الدائرة الانتخابية الفذة، هو ذلك الفيض القدسي الغامر لأرواح قوافل الشهداء على مدى أفق ليبيا المكاني الشاسع، وعلى مدى عمرها النضالي الذائع الرائع.

آخر صف في كوكبة شهداء ليبيا الأبرار، تشكل من عشرات الألوف من فرساننا الأشاوس الذين كانوا في مثل هذه الأيام من عام مضى يتزاحمون على بذل أثمن ما لديهم، أرواحهم، من أجل صنع الدائرة الانتخابية المركزية الكبرى، ليبيا، تماما كما نتزاحم نحن الآن، ولكن ليس من أجل أن نموت كما مات أولئك الشهداء، بل من أجل أن نقطف ثمار دولة الحرية والكرامة التي رويت بدم أولئك الشهداء الكرام.

ليت كل ناخب، وبعد أن يدلي بصوته لاختيار من يمثله في المؤتمر الوطني غدا السبت 7.7.12، يقوم برفع بصره إلى السماء المزدانة بأرواح شهداء الحرية والكرامة، ويدعو رب السماء بإكرام أولئك الذين اشتروا كرامتنا وحريتنا بأعمارهم وأرواحهم!

ليت كل ناخب، وبعد أن يخرج من مقر الدائرة الانتخابية التي تخصه، يرفع أصبعه المكلل باللون الانتخابي المميز موحدا ربه وشاكرا له، ثم يبصم بهذا الأصبع فوق كل حائط سقط بجانبه شهيد، وكذا على سطح كل رصيف تحمم بعطر دم شهيد!

ليت كل مرشح، يحالفه الحظ وينجح، أن لا يبيت في فراشه ليلة إعلان نجاحه، بل يبيت في مكان شهد سقوط شهداء، أو ضم رفات شهداء، تمجيدا لكل الشهداء، ومواساة لأقربائهم الذين سيذكرون مفقوديهم الأعزاء الذين خرجوا ذات يوم ولم يعودوا، والذين أيضا لم يخرجوا من أجل أبنائهم لإعالتهم، ولكنهم خرجوا من أجل إعالة كل الليبيين وانعتاقهم.

ليتنا نسمي يوم أول انتخاب وأعزه وأغلاه، بيوم انعتاق الإرادة الليبية وتحررها، وبيوم ولادة الصوت الليبي الحر، ونقيم لذلك ذكرى سنوية نعيشها ونحييها كل عام!   

ليت المفوضية العليا للانتخابات، تضع في كل دائرة انتخابية صندوقا رمزيا يخص الدائرة الانتخابية الرابعة عشر، دائرة الشهداء الأبرار، بحيث يكون ذلك على هيئة سجل، يقوم كل ناخب بالتوقيع فيه بما يفيد تقديسه لدماء الشهداء، كما يؤكد في هذا السجل، الناخب والمرشح كلاهما، على عرفانهما بجميل كل شهداء الحرية الأبرار، سكان هذه الدائرة الانتخابية الأعظم، الدائرة الانتخابية رقم"14".
  

محمد عبد الله الشيباني
مدونة ربيع ليبيا
Aa10zz100@yahoo.com


الأربعاء، يوليو 04، 2012

تُرى ما الذي قد جرى، فأحدث ما نرى؟!


هكذا كنا منذ عام مضى
تُرى ما الذي قد جرى، فأحدث ما نرى؟!

في مثل هذه الأيام من عام مضى، عجزت اللغة التي بها نتفاهم، ووهنت الألسن التي بها نتخاطب، عن مجاراة قلوبنا في نبضها، ومشاعرنا في دفقها، وبسط القدر لنا لوحه، فأضحى خفق القلوب دعاء لا يرد، وتوق المشاعر أمرَ سيدٍ ليس له ند.

كتبنا على لوح القدر طلبات عديدة خطيرة كبيرة، لم يصدق أكثر الناس تفاؤلا تحققها، ولكن قيوم السموات والأرض الذي أحصى ما علمناه، وذكر ما نسيناه، وهو المحيط بغيب ما سوف نلقاه، تكرم علينا، فحقق لنا كل ما طلبناه.

في مثل هذه الأيام من عام مضى تجمد مؤشر  بوصلاتنا، فما عاد يجهد نفسه ليبحث عن أقطاب الأرض وجهاتها، فقطب التسلط والدكتاتورية والاستبداد كان ضالة كل بوصلة يحملها أي ليبي. لا شرق كان لدينا، ولا غرب، ولا فيدرالية، ولا غنائم، ولا تعويضات، ولا كراسي، ولا أطماع رخيصة، ولا حسابات ضيقة.

في مثل هذه الأيام من عام مضى تلاشت كل الخطوط والفواصل بين مدينة وأخرى، وبين قبيلة وأخرى. كان الفاصل الواحد الذي يقسم ليبيا هو خط جبهة الحرب بين الحاكم المستبد، والشعب المنتفض.

في مثل هذه الأيام من عام مضى كانت أسماؤنا واحدة، وكان عدد حروف أبجديتها خمسة أحرف، هي عدد حروف كلمة ليبيا، وكانت هذه الحروف رغم قلتها أكثر من كافية لتستوعب كل أسمائنا وأسماء قبائلنا ومدننا وأسماء آبائنا وأمهاتنا، وحتى أسماء أحبائنا وحبيباتنا.
  
في مثل هذه الأيام من عام مضى كان قاموس سياستنا لا يحوي سوى كلمتين، هما: ليبيا حرة، وكانت هاتان الكلمتان في منتهى البلاغة والاكتناز، حتى أننا لم نحتج آنئذ لأي كلمة من الكلمات التي يضج بها قاموس السياسة البائس؛ من مثل علمانية، أو ليبرالية، أو دينية، أو مدنية، أو غيرها.



في مثل هذه الأيام من عام مضى كانت كلمتي: الله أكبر، تتقدم كل واحد منا، فتزيل من طريقه كل عقبة قدم، أو عُجمة لسان، أو غربة مكان. كانت كلمتي الله أكبر كلمة سر بها نفتح مغاليق القلوب، ونزيل عقبات الدروب.

في مثل هذه الأيام من عام مضى كانت أسماؤنا شفافة بسيطة رشيقة، لا تحمل سوى بصمة عين، ونبضة قلب. كانت أسماؤنا خالية من ثقل اسم وظيفة قبلها، أو رتبة بعدها، أو انتساب لحزب أو فرقة أو جماعة أيا كانت مشاربها.

في مثل هذه الأيام من عام مضى كنا أغنى الناس، وذلك لأننا استغنينا عن كل ما نتقاتل عليه الآن، واكتفينا بتلبية حاجة نفوسنا المجنحة في فضاء الحرية، ومشاعرنا الغارقة في لذة رعشة يقظة الانتعاش بعد السبات المنهك الطويل، فشبعت أجسامنا رغم الجوع، وأشرقت  وجوهنا رغم الضنى، ورأينا البركة تتخلل القليل فتكثره، وتغشى البسيط فتزكيه.

في مثل هذه الأيام من عام مضى كان الحق قبلتنا وضالتنا، وكان الباطل خصمنا وطريدتنا، ولم يكن بين الحق والباطل أي تداخل أو تماس، فبرأنا من كل ريب، وتفادينا كل فتنة. آنئذ كان الدرب مستقيما، والغاية واضحة، والأشرعة متوازية، والربان واحد.

في مثل هذه الأيام من عام مضى كنا نتنادى من على مسافات بعيدة هامسين، فيسمع كل منا الآخر. لم يكن حولنا ضجيج، ولم يكن في آذاننا غير صدى أهلنا في الشرق مأيهين بإخوانهم في الغرب، وصدى الإجابة السريعة الصادقة من قبل أهل الغرب لإخوانهم في الشرق، ولم يكن الوادي الأحمر سوى حيز من أثير عنده يتلاقى الصوتان، فيتعانقان ويصنعان عرسا، يعم أنسه كامل الوطن.

تُرى ما الذي جرى، فأحدث ما نرى؟

أما الذي جرى، ويشهد عليه كل الورى، فهو:

ــ نجانا الله من الذي أمسك ببلعومنا ووضع عليه سكينه الحاد المسمم.
ــ آمننا الله من خوف، وأطعمنا من جوع.
ــ ألان الله لنا قلوب خلقه؛ فوقفوا معنا في حربنا وسلمنا.
ــ أذهب الله عنا كل الذي كنا نحذره من ابتزاز وأطماع.
ــ نزع الله فتيلة كل فتنة، وأخمد كل حريق.
ــ أطفأ الله جمر أسلحة كثيرة مبعثرة هنا وهناك.
ــ سهل الله علينا تدبير إدارة مواردنا النفطية، قوام عيشنا، وثمين كنزنا.
ــ ألان الله قلوب الكثير منا، فأعلوا أصواتهم بالدعوة إلى المصالحة.
ــ ألان الله عريكتنا فاصطففنا وتجمعنا من أجل انتخاب أخيارنا، كي يتولوا أمرنا.
ــ توحدت الأفكار والآراء والأقلام على رأي واحد وهدف واحد، هو إصلاح ليبيا.
ــ  ................
ــ .........................   
ــ ......................................... الخ.

إلا أنه، ورغم كل هذه النعم المسداة، والخيرات المهداة، ظهر فينا الكثير من ناكري الجميل، فأبدلوا نعمة الله نقمة، وبركاته لعنة.

أحوال كثيرة تغيرت وساءت، وذلك بسبب تغير سيئ طرأ علينا.

تُرى هل يقف كل واحد منا أمام المرآة، ويرصد ما اعتراه من سوء؟

لابد أن هناك بعض السوء. هيا بنا نزيله.

محمد عبد الله الشيباني

السبت، يونيو 30، 2012

رأس ورؤوس


رأس ورؤوس .. وجه ووجوه .. عين وعيون!

على مدى الأربعين عاما الطويلة وزيادة، وعلى مدى مساحة ليبيا الكبيرة، وربما أقصى وأبعد، وفي كل شارع، وفي كل زقاق، وفي كل ميدان، وفي كل سوق، وفي كل رواق، وفي كل مدرسة، وفي كل مستشفى، وفي كل مكتب، وأينما يممت وجهك، لا ترى إلا رأس ووجه دكتاتور ليبيا السابق، القذافي، ولا ترى إلا عينيه الجريئتين النهمتين!

وبمجرد اختفاء هذا الرأس، ومغادرته لحيزه الشاسع الواسع،  شرعت آلاف الرؤوس والأوجه والعيون لآلاف المواطنين الليبيين المرشحين للمؤتمر الوطني، تأخذ مكانها في ذلك الحيز الواسع الرحيب.

حقا ما أبشع الدكتاتورية، وحقا وصدقا كم كان نصف الإله القذافي مضيقا للمكان الواسع، ومختزلا للزمان الطويل، ومطفئا لآلاف العيون والوجوه، بل لملايينها!

ولكن لماذا نبش الماضي، والكلام على رأس الدكتاتور ووجهه وعينيه، وقد تواروا جميعهم، وإلى الأبد؟

ذلك لأنني كلما وقعت عيني على الصور الكثيرة من صور الدكتاتورية والفساد والتسلط في البلاد، رأيت ذلك الوجه الضخم للدكتاتور السابق وقد تربع في خلفية تلك الصور، محركا إياها بواسطة خيط رفيع.

كما أنني تابعت المراحل كلها لرحلة صورة رأس الدكتاتور ووجهه وعينيه، وذلك منذ أن أطل علينا، قبل أكثر من أربعة عقود، متصنعا البراءة، ومتوسلا القبول والتأييد، تماما كما يطل علينا أصحاب الصور الآن، ويتوسلون الدعم والقبول.

سيستغرق الليبيون مدى زمنيا ليس بالقصير من أجل أن يتقنوا المهمة الخطيرة التي من خلالها يتم التعاقد فيما بينهم وبين الحاكم،  والذي تخترق صورته الناعمة الأماكن الحساسة من عقولهم قبل أن يتحسسوا بحواسهم جوارح الحاكم الخشنة. وسوف يكون للملامح الظاهرية للحاكم في إتمام عملية التعاقد الخطيرة هذه دورا بارزا مهما.
صورة الحاكم وملامحه الناعمة، وجوارح الحاكم الجارحة الخشنة، كانا درسين بليغين من دروس الحقبة الدكتاتورية السابقة، وربما كانا أيضا من الدعائم الرئيسية التي وضع نظام الطغيان عليها بنيانه.

ها هم الحكام المرتقبون يضعون أمامنا صورهم، وما ظهر من ملامحهم الناعمة، طالبين منا مقابل ذلك التوقيع على العقد الاجتماعي بيننا وبينهم، مؤجلين تحسسنا لجوارحهم إلى حين.

حقا إنه امتحان صعب، ولكن لا مناص من خوضه.
فيما يلي بعض الأسئلة لمراجعة ما سبق دراسته من أمر صورة الحاكم وأثرها فينا وذكرياتنا معها، وأسئلة أخرى استرشادية لما يتحتم علينا عمله مع آلاف الصور التي حلت محلها:
ــ لماذا دأب القذافي على إزاحة كل الوجوه، وربما تشويهها، وتعمد إظهار وجهه هو فقط دون أي وجه آخر سواه؟
ــ هل وجوه الليبيين على هذا القدر من القبح، وذمامة الخلقة،  حتى يطمرها القذافي في تراب النسيان العمر كله؟
ــ هل كان معمر يظهر علينا بوجهه الكبير جدا تحببا إلينا، أم تخويفا وإرهابا لنا؟
ــ هل استخدم معمر الأثر النفسي الدعائي الخطير الذي تحدثه الصورة الكبيرة الوحيدة أسوأ استخدام، واختزل ألوان الطبيعة اللامتناهية العدد في لون يتيم واحد، فسبب بذلك عجزا جينيا في أعين الليبيين، جعلهم يرددون حتى الموت: معمر وبس؟
ــ هل هذا القصور الذي لازمنا في معرفة الوجوه والألوان وتمييزها من بعضها هو الذي جعلنا نمشي في طريق هلاكنا  مغمضي العيون؟
ــ هل كان للوجه الكبير الواحد المتسمر في كل مكان من أثر في استرقاق الناس، وسلبهم إرادتهم، ومنعهم من حرية الاختيار التي منحها خالقهم لهم؟
ــ هل ساهم الوجه الواحد المتجهم للقذافي في تردي الحالة النفسية لليبيين، وعمل على غرس الإحباط في نفوسهم، وجعلهم يعتقدون أن الدنيا كلها ما هي إلا شارع واحد، ذو اتجاه واحد، أوله الرحم وآخره اللحد؟
ــ هل يعزى تعلق بعض الليبيين بالقذافي بعد سقوطه، وهو الذي فعل بهم ما فعل، إلى مجال التأثير القوي لذلك الرأس والوجه والعينين، والذين كانوا بعض أدوات القذافي في السيطرة على الآخرين؟
ــ هل يفلح الليبيون بعد كل أهداف الرأس الماكرة الذكية الموجهة إلى مرماهم، في لملمة أفراد فريقهم الوطني المنهك المبعثر، وترجيح كفة الستة ملايين رأس على كفة الرأس الواحد؟
ــ .................................؟
ــ ......................................؟

وعلى الجانب الأخر من ورقة الأسئلة الصعبة، أسئلة أخرى أهم، وهي:

ــ هل كل هذه ألآلاف من الوجوه والعيون التي قضت كل عمرها سجينة دهاليز الدكتاتورية المظلمة، تستشعر، الآن، هذا الانعتاق والتعرض المفاجئ لألق شمس الديمقراطية، وتتمكن من تجنب صدمة التغيير الخطير؟
ــ هل تستطيع هذه العيون التي انفتحت للتو أن ترصد وبسرعة أبعاد الزمان والمكان الجديد الذي ولجته، وتتكيف معه، وتنجو بذلك من الحول المزمن الذي كثيرا ما يصيب أعين الحكام، عند تحولهم المفاجئ من مكان إلى مكان.
ــ هل تستطيع هذه العيون أن تنجو من فتنة مائدة الأضواء، فتتجنب تخمتها ؟
ــ هل تتعرض إلينا هذه العيون والوجوه الكثيرة والمنتشرة الآن في كل مكان من أجل أن تقدم إلينا بلسما يداوينا مما كنا نعانيه من التحديق الإجباري لوجه وعين دكتاتور سئمناه، أم أنها ستعاود النظر إلينا من اجل تنويمنا، وإعادة نفس المشاهد الدكتاتورية المؤلمة المقززة؟
ــ هل تطهرت هذه العيون من أدران المكر والخبث والخنس، واغتسلت تلك الوجوه من غبار النفاق متعدد الطبقات والألوان، ثم استحمت بعطر البراءة وبلسم الشفافية؟
ــ هل بإمكاننا أن نرى في هذه العيون والوجوه أثرا ما من غبار الحرب المقدسة على الاستبداد والطغيان، وكذا علامات إكبار وإجلال لأرواح الشهداء الذين خاضوا تلك الحرب، والذين هم من اقتلع رأس ووجه وعيون الدكتاتورية المقيتة، وأفسحوا المجال لملايين الهامات فارتفعت، ولملايين العيون فانطلقت؟
ــ هل سيبقى أصحاب هذه الصور على نفس الهيئة التي يظهرون بها علينا الآن أول مرة، وهم في غاية اللطافة والتأنق. وهل ستحافظ أعينهم على إرسال نفس القدر من موجات المغازلة التي منها الآن تتدفق؟
ــ هل هناك أي خيط رفيع تصعب رؤيته بين الصورة الكبيرة جدا التي كانت تشغل المكان، وبين كل أو بعض الصور التي خلفتها؟
ــ ....................................؟
ــ ............................................؟ 

كل هذه الأسئلة، وربما غيرها كثير وكثير، تطرحها علينا هذه المرحلة الخطيرة التي نعبر، وتجبرنا على الإجابة عليها قبل أن نختار ونقرر.

إنني قضيت عمري خائفا من رأس القذافي المتطاول، ومن وجهه المتمدد، ومن عيونه النهمة الجريئة المثيرة، ولن يزول خوفي هذا إلا إذا تأكد لي أن الرؤوس والوجوه والعيون التي حلت محله لا تمت له بصلة، ولا تربطها بالدكتاتورية أية وشيجة.

محمد عبد الله الشيباني



الأربعاء، يونيو 27، 2012

صك المصارحة، وصك المسامحة



المتبرع: سجين الرأي السابق الصادق الرقيعي، والمتبرع: المهندس امبارك الشامخ .. مثالا، لا حصرا.

بفضل الله ورحمته، لانت قلوب الليبيين، وتكاثرت هذه الأيام دعوات المصالحة والوفاق بينهم. ولم يكن الشعب الليبي عبر تاريخه الطويل المشرق شعب تفرق أو خصام، لولا ما شهدته البلاد مؤخرا من نزاع سياسي، كان للفئة الحاكمة القليلة، ممثلة في شخص القذافي وأبنائه وبعض أفراد قبيلته ومريديه، الدور الأبرز في تأجيج هذا الخصام، ودفع الناس إليه، وذلك بما توفر لدى هذه الفئة من نفوذ وسلاح وأموال.

ولعله من المسلم به الآن أن معظم الفرقاء، من نزح منهم عن الوطن، ومن لم ينزح، هم أولئك الذين وقعوا ضحية عملية التغرير الممنهجة التي امتدت على مدى وجود القذافي وفئته على كرسي الحكم، تلك العملية التي بلغت أوجها عندما أحس القذافي باهتزاز الكرسي من تحته.

ليس من العدل أن نفصل العمل الذي يقوم به شخص ما، خيرا كان ذلك العمل أو شرا، عن الزمان الذي وقع فيه، وعن الظروف التي اكتنفته.

الغالبية العظمى من الذين تركوا البلاد مجبرين، هم من الذين وقعوا ضحية تغرير نظام سياسي مزمن، لم يكن أحد يتصور زواله، حتى كاد أن يستقر في وعي الكثيرين منهم أن بقاء القذافي أمر محتم قدرا، وأن التفكير في تغييره هو ضرب من الخيال.

وليس من الصعب على القاضي المنصف الحصيف، وهو ينظر في جرم الكثيرين ممن غرر بهم القذافي، أن يرى مدى  التغرير في كل فعل من أفعال هؤلاء، وأثر ذلك في تحديد العقوبة العادلة.


وقبل ساحات القضاء وبعدها، وقبل حصافة القاضي وحنكته، هناك ساحات العفو الشاسعة، ورهافة حس المواطن الليبي الرشيد وذكاؤه، ذلك المواطن الذي لابد أنه يعلم بأن صك عفوه على من ظلمه من بني دينه وعرقه ووطنه، يضمن له حياة هانئة له ولأبنائه من بعده، كما أن عفوه هذا مما يستوجب رضاء ربه الذي لا يقدر بثمن.

طائر المصالحة المبارك، والذي ستعبر على ظهره بلدنا ليبيا من خضم النزاع والفرقة، إلى بر الوفاق والألفة، له جناحان؛ أحدهما جناح المصارحة من قبل المغرر بهم، وثانيهما جناح المسامحة ممن وقع عليهم الضرر. وهذا الطائر هو الذي تتجه كل الأنظار إليه الآن، كما أن كل الأيدي تربت على جناحيه، كي ينهض، ويحلق بليبيا بعيدا عن خرائب الخصام والشقاق، إلى حيث جنان المحبة والوفاق.

نقل إلينا الإعلام مؤخرا أخبار بعض محاولات المصالحة المباشرة، وهي محاولات نباركها، ونتمنى نجاحها. وإلى جانب هذه المحاولات هناك محاولات أخرى، لم تتيسر لدعاتها فرصة اللقاء والتفاوض المباشر، وإنما تلاقى الاثنان تلاقيا وجدانيا على بساط الأثير الذي نسجه عنكبوت الانترنت المبارك.

من دعاة المصالحة على الأثير، الأستاذ الصادق الرقيعي، وهو سجين رأي سابق، وإن شئت الإنصاف فهو شهيد ناطق، ذلك أنه من غير المحتمل كثيرا لمن أمضي في غياهب سجن أبي سليم سيء الصيت، ثماني سنوات أن يظل حيا، لولا أن الأعمار بيد الله اللطيف الحكيم.

وللأستاذ الصادق الرقيعي بذلك السجن وغيره زملاء ربما بلغوا الألوف، منهم من قضى نحبه، ومنهم من شاء الله أن يبقيه كي يكون شاهدا على ما جرى.

والصادق الرقيعي، وهو يسرد ذكريات سجين الرأي الليبي المرة، أطلعنا فيما نشر من مقالات على المكان الذي قضى فيه هو والمئات من رفاقه زهرة سنوات العمر، وحبل المشنقة يتدلى أمام ناظريهم صباح مساء، والموت على موعد يومي معهم، حتى أضحى توديع الأموات الطقس الاجتماعي الوحيد الذي يمارسه أولئك السجناء الأبرياء.

وبالإضافة إلى صناعة الموت اليومي، أفلح سجن أبي سليم، وغيره من سجون القذافي الكثيرة في صناعة العداوة ونشرها بين الليبيين، والذين شطرهم القذافي إلى شطرين لا ثالث لهما؛ شطر المساجين، وشطر الجلادين.

لم تفلح كل تلك الذكريات المرة في أن تمنع الصادق الرقيعي من مد يده بالمسامحة، والدعوة الصادقة إلى المصالحة، أكد ذلك في مقال له بعنوان: إن لم تكن المصالحة .. فالحرب قادمة، والذي رابطه بصحيفة المنارة هو:  http://www.almanaralink.com/press/2012/06/19014/%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%A7%D8%AF%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%82%D9%8A%D8%B9%D9%8A-%D8%A7%D9%86-%D9%84%D9%85-%D8%AA%D9%83%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B5%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%A9-%D9%81%D8%A7%D9%84/

وكاد أن يمر هذا المقال كما مر غيره، ويطويه النسيان، لولا ذلك التعليق المعبر الذي وقعه المهندس امبارك الشامخ باسمه وصفته، وهذا نسخ له: 

مهندس امبارك الشامخ
يونيو 22, 2012 5:13 مساء
السلام عليكم اخ الفاضل الصادق الرقيعي….اولا اسمحلي ان نعبر لك عن تقديري واحترامي لشخصك الكريم الذي شاءت الاقدار ان لا اعرفه ولا اسمع به الا من خلال مانشرته حضرتك من مذكرات مؤلمه ومؤسفه لكل بني ادم لديه ذره من الانسانيه وايضا هي مشرفه لانها نضاليه من اجل عقيده ونصرة الحريه(خذ في الاعتبار قد نختلف وقد نتفق في بعض الرؤيا ولكننا متفقين في الثوابت وهي الهويه والعقيده)نعم انني اكن لشخصك كل الاحترام والتقدير وكم كنت اسفا ومتالما من بعض الحقائق والاشخاص التي كشفت عنهم حضرتك في مذكراتك وقد كنت احتسبهم في حساب الوطنيين…..علي كل حال انا حبيت ان اعلن اتفاقي معك التام في ماذهبت اليه في موضوع المصالحه وفق القواعد التاليه:ارجاع الحقوق بالقانون..(مايتعلق بالتلطخ بالدم والمال العام وانتهاك الاعراض سوي بالقذف او بالفعل)…ومن ثم العفو والتسامح…كله من خلال رغبة ومعرفة اولياء الدم والعرض…نعم هناك مجموعه من المجرمين يحاولون تكوين كتله بشريه من المليون والنصف خارج الوطن لتقويض الثوره الشعبيه وهناك ايضا مجموعه من الحاقدين علي الشعب والنظام وحتي الارض الذي عاش عليها هذا الشعب والنظام طيلة 42 سنه لانهم كما لدي انصار النظام قناعه ان الناتوا هو من انتصر عليهم فان الحاقدين ايضا يروا ان الناتو هو الذي حررهم من النظام وليس الشعب اللهم يارب احمي ليبيا والامه الاسلاميه من ثلاث الحاقدين (من كل جانب)والمتطرفين(من كل جانب)والتابعين(من كل جانب)….اخ الصادق بدون سابق معرفه ارجوا تقبل تحياتي واحتراماتي لك ولقد ابدعت في كتاباتك لمذركرتك ابدعت في صياغتها كتابه والاهم هو ابداعك في تسطيرها كبطوله علي ارض الواقع …قد لاتتقبل هذه الشهاده من شخص عمل في نظام سجنك وهذا من حقك ولكن ياسيدي ارجوا منكم ادراك انه هناك اخرون لهم رؤياء قد تختلف عنكم ولكن هم ايضا سجنوا وعذبوا وعملوا مع النظام وفق ثلاث ثوابت عدم التلطخ بالدم وعدم المساس بالمال العام وطالما البلد في مواجه وحصار ومن الاصلاح بقدر مايستطعيون….وهم علي استعداد للمحاكمه والمساءله لانه يوم النصر العظيم لهم لانه ستكشف الهويات والارتباطات لكل من هو علي المشهد السياسي سوي قوي المعارضه او النظام اسف اطلت والسلام…..

المهندس امبارك الشامخ الذي شغل أرفع المناصب في نظام القذافي، نراه بوضوح يمد يده إلى الصادق الرقيعي سجين عهد القذافي، وهي نفس اليد التي مدها الشامخ عبر إحدى القنوات الفضائية إبان الحرب بين مواطني البلد الواحد، واصفا إياها بالنظيفة، ومستعدا للتحدي والمراهنة على ذلك.

وبعد فراغي من قراءة مقالة الرقيعي، وتعليق الشامخ عليها، ونظرا لقيامي بإطلاق دعوة للمصالحة على الرابط:
والتي اقترحت من خلالها تأسيس بنك المصارحة وبنك المسامحة اللذين تتكون أصولهما، كما بينت، من مجموع صكوك المصارحة من طرف، ومجموع صكوك المسامحة من الطرف الآخر. بناء على كل ذلك، رأيت أن استثمر هذا الحراك، واغتنم فرصة هذا اللقاء النموذجي الذي احتضنته الشجرة العنكبوتية المباركة، محاولا مد أغصان شجرة الوفاق حتى يعم ظلها كل مساحات الخلاف التي تكدر وجه الوطن وتحزنه.

لم لا؟!
فهذان الرجلان؛ الرقيعي، والشامخ عينة علمية مثالية، ومعبرة بوضوح عن المجموعة التي تستهدفها عملية  المصالحة.  

كما أن المهندس امبارك الشامخ، والأستاذ الصادق الرقيعي ليسا هما المواطنين الليبيين الصالحين الوحيدين، بل هناك مثلهما الكثير، والذين سوف يصطفون طوابير من أجل تأسيس بنك المصارحة، وبنك المسامحة، حَجَرتي الأساس في بنيان ليبيا الجديدة السعيدة.    

إنني أدعو الأخوين الصادق الرقيعي، وامبارك الشامخ إلى الاتصال المباشر بينهما، ووقوف كل منهما على رأس الطابور الذي سينضم إليه الآلاف من دعاة المصارحة والمسامحة، ويشرفني أن أكون أحد الواقفين في هذا الطابور المقدس.   

محمد عبد الله الشيباني
مدونة ربيع ليبيا